(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١٩)
____________________________________
يتسع فى غيرها فهى ضابطة ربما تستعمل فيما إذا وضع الظرف موضع المظروف بأن جعل مفعولا صريحا لفعل مذكور كما فى قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) أو مقدر كعامة الظروف المنصوبة بإضمار اذكر وأما ههنا فلا حاجة إليها أصلا لما تحققت أن مناط التقديم توجبه التحضيض إليه وذلك يتحقق فى جميع متعلقات الفعل كما فى قوله تعالى (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها (سُبْحانَكَ) تعجب ممن تفوه به وأصله أن يذكر عند معاينة العجيب من صنائعه تعالى تنزيها له سبحانه عن أن يصعب عليه أمثاله ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه أو تنزيه له تعالى عن أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها تنفير عنه ومخل بمقصود الزواج فيكون تقريرا لما قبله وتمهيدا لقوله تعالى (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) لعظمة المبهوت عليه واستحالة صدقه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها (يَعِظُكُمُ اللهُ) أى ينصحكم (أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) أى كراهة أن تعودوا أو يزجركم من أن تعودوا أو فى أن تعودوا من قولك وعظته فى كذا فتركه (أَبَداً) أى مدة حياتكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن الإيمان وازع عنه لا محالة وفيه تهييج وتقريع (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب دلالة واضحة لتتعظوا وتتأدبوا بها أى ينزلها كذلك أى مبينة ظاهرة الدلالة على معانيها لا أنه يبينها بعد أن لم تكن كذلك وهذا كما فى قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل أى خلقهما صغيرا وكبيرا ومنه قولك ضيق فم الركية ووسع أسفلها وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتفخيم شأن البيان (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال جميع مخلوقاته جلائلها دقائقها (حَكِيمٌ) فى جميع تدابيره وأفعاله فأنى يمكن صدق ما قيل فى حق حرمة من اصطفاه لرسالاته وبعثه إلى كافة الخلق ليرشدهم إلى الحق ويزكيهم ويطهرهم تطهيرا وإظهار الاسم الجليل ههنا لتأكيد استقلال الاعتراض التذييلى والإشعار بعلة الألوهية للعلم والحكمة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) أى يريدون ويقصدون (أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أى تنتشر الخصلة المفرطة فى القبح وهى الفرية والرمى بالزنا أو نفس الزنا فالمراد بشيوعها شيوع خبرها أى يحبون شيوعها ويتصدون مع ذلك لإشاعتها وإنما لم يصرح به اكتفاء بذكر المحبة فإنها مستتبعة له لا محالة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) متعلق بتشيع أى تشيع فيما بين الناس وذكر المؤمنين لأنهم العمدة فيهم أو بمضمر هو حال من الفاحشة فالموصول عبارة عن المؤمنين خاصة أى يحبون أن تشيع الفاحشة كائنة فى حق المؤمنين وفى شأنهم (لَهُمْ) بسبب ما ذكر (عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا) من الحد وغيره مما يتفق من البلايا الدنيوية ولقد ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن أبى وحسانا ومسطحا حد القذف وضرب صفوان حسانا ضربة بالسيف وكف بصره