(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ(١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١٦)
____________________________________
عليهم بذلك المستحقون لإطلاق الاسم عليهم دون غيرهم ولذلك رتب عليه الحد خاصة وإما كلام مبتدأ مسوق من جهته تعالى للاحتجاج على كذبهم بكون ما قالوه قولا لا يساعده الدليل أصلا (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) خطاب للسامعين والمسمعين جميعا (وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا) من فنون النعم التى من جملتها الإمهال للتوبة (وَالْآخِرَةِ) من الآلاء التى من جملتها العفو والمغفرة بعد التوبة (لَمَسَّكُمْ) عاجلا (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك والإبهام لتهويل أمره والاستهجان بذكره يقال أفاض فى الحديث وخاض واندفع وهضب بمعنى (عَذابٌ عَظِيمٌ) يستحقر دونه التوبيخ والجلد (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) بحذف إحدى التاءين ظرف للمس أى لمسكم ذلك العذاب العظيم وقت تلقيكم إياه من المخترعين (بِأَلْسِنَتِكُمْ) والتلقى والتلقف والتلقن معان متقاربة خلا أن فى الأول معنى الاستقبال وفى الثانى معنى الخطف والأخذ بسرعة وفى الثالث معنى الحذق والمهارة وقرىء تتلقونه على الأصل وتلقونه من لقيه وتلقونه بكسر حرف المضارعة وتلقونه من إلقاء بعضهم على بعض وتلقونه وتألقونه من الولق والإلق وهو الكذب وتثقفونه من ثقفته إذا طلبته فوجدته وتثقفونه أى تتبعونه (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أى تقولون قولا مختصا بالأفواه من غير أن يكون له مصداق ومنشأ فى القلوب لأنه ليس بتعبير عن علم به فى قلوبكم كقوله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا لا تبعة له أو ليس له كثير عقوبة (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ) والحال أنه عنده عزوجل (عَظِيمٌ) لا يقادر قدره فى الوزر واستجرار العذاب (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) من المخترعين أو المشايعين لهم (قُلْتُمْ) تكذيبا لهم وتهويلا لما ارتكبوه (ما يَكُونُ لَنا) ما يمكننا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) وما يصدر عنا ذلك بوجه من الوجوه وحاصله نفى وجود التكلم به لا نفى وجوده على وجه الصحة والاستقامة والإنبغاء وهذا إشارة إلى ما سمعوه وتوسيط الظرف بين لو لا وقلتم لما مر من تخصيص التحضيض بأول وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير القول المذكور عن ذلك الآن ليفيد أنه المحتمل للوقوع المفتقر إلى التحضيض على تركه وأما ترك القول نفسه رأسا فمما لا يتوهم وقوعه حتى يحضض على فعله ويلام على تركه وعلى هذا ينبغى أن يحمل ما قيل إن المعنى إنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم وأما ما قيل من أن ظروف الأشياء منزلة منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذلك يتسع فيها مالا