(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ(٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٦٩)
____________________________________
تعالى بسبب كفرهم بالآيات ولو كان النصر المنفى متوهما من الغير لعلل بعجزه وذله أو بعزة الله تعالى وقوته أى قد كانت آياتى تتلى عليكم فى الدنيا (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أى تعرضون عن سماعها أشد الإعراض فضلا عن تصديقها والعمل بها والنكوص الرجوع قهقرى (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) أى بالبيت الحرام أو بالحرم والإضمار قيل الذكر لاشتهار استكبارهم وافتخارهم بأنهم خدامه وقوامه أو بكتابى الذى عبر عنه بآياتى على تضمين الاستكبار معنى التكذيب أو لأن استكبارهم على المسلمين قد حدث بسبب استماعه ويجوز أن تتعلق الباء بقوله تعالى (سامِراً) أى تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه حيث كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا والسامر كالحاضر فى الإطلاق على الجمع وقيل هو مصدر جاء على لفظ الفاعل وقرىء سمرا وسمارا وأن تتعلق بقوله تعالى (تَهْجُرُونَ) من الهجر بالفتح بمعنى الهذيان أو الترك أى تهذون فى شأن القرآن أو تتركونه أو من الهجر بالضم وهو الفحش ويؤيده قراءة تهجرون من أهجر فى منطقه إذا فحش فيه وقرىء تهجرون من هجر الذى هو مبالغة فى هجر إذا هذى (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى أفعلوا ما فعلوا من النكوص والاستكبار والهجر فلم يتدبروا القرآن ليعرفوا بما فيه من إعجاز النظم وصحة المدلول والإخبار عن الغيب أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به فضلا عما فعلوا فى شأنه من القبائح وأم فى قوله تعالى (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) منقطعة وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقال عن التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر والهمزة لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع أى بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت أباءهم الأولين حتى استبدعوه واستبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال يعنى أن مجىء الكتب من جهته تعالى إلى الرسل عليهمالسلام سنة قديمة له تعالى لا يكاد يتسنى إنكاره وأن مجىء القرآن على طريقته فمن أين ينكرونه وقيل أم جاءهم من الأمن من عذابه تعالى ما لم يأت آباءهم الأولين كإسماعيل عليهالسلام وأعقابه من عدنان وقحطان ومضر وربيعة وقس والحرث بن كعب وأسد بن خزيمة وتميم بن مرة وتبع وضبة بن أد فآمنوا به تعالى وبكتبه ورسله وأطاعوه (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) إضراب وانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بوجه آخر والهمزة لإنكار الوقوع أيضا أى بل ألم يعرفوه صلىاللهعليهوسلم بالأمانة والصدق وحسن الأخلاق وكمال العلم مع عدم التعلم من أحد وغير ذلك مما حازه من الكمالات اللائقة بالأنبياء عليهمالسلام (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أى جاحدون بنبوته فجحودهم بها مترتب على عدم معرفتهم بشأنه عليهالسلام ومن ضرورة انتفاء المبنى بطلان ما بنى عليه أى فهم غير عارفين له عليهالسلام فهو تأكيد لما قبله.