(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) (٦٦)
____________________________________
الذى ذكر من كون قلوبهم فى غفلة عظيمة مما ذكر وهى فنون كفرهم ومعاصيهم التى من جملتها ما سيأتى من طعنهم فى القرآن حسبما ينبىء عنه قوله تعالى (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) وقيل متخطية لما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة المذكورة وفيه أنه لا مزية فى وصف أعمالهم الخبيثة بالتخطى للأعمال الحسنة للمؤمنين وقيل متخطية عما هم عليه من الشرك ولا يخفى بعده لعدم جريان ذكره (هُمْ لَها عامِلُونَ) مستمرون عليها معتادون فعلها ضارون بها لا يكادون يبرحونها (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) أى متنعميهم وهم الذين أمدهم الله تعالى بما ذكر من المال والبنين وحتى مع كونها غاية لأعمالهم المذكورة مبدأ لما بعدها من مضمون الشرطية أى لا يزالون يعملون أعمالهم إلى حيث إذا أخذنا رؤساءهم (بِالْعَذابِ) قيل هو القتل والأسر يوم بدر وقيل هو الجوع الذى أصابهم حين دعا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحرقة والأولاد والحق أنه العذاب الأخروى إذ هو الذى يفاجئون عنده الجؤار فيجابون بالرد والإقناط عن النصر وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار حسبما ينبىء عنه قوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) فإن المراد بهذا العذاب ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر حتما وأما عذاب الجوع فإن أبا سفيان وإن تضرع فيه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لكن لم يرد عليه بالإقناط حيث روى أنه صلىاللهعليهوسلم قد دعا بكشفه فكشف عنهم ذلك (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أى فاجئوا الصراخ بالاستغاثة من الله عزوجل كقوله تعالى (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) وهو جواب الشرط وتخصيص مترفيهم بما ذكر من الأخذ بالعذاب ومفاجأة الجؤار مع عمومه لغيرهم أيضا لغاية ظهور انعكاس حالهم وانتكاس أمرهم وكون ذلك أشق عليهم ولأنهم مع كونهم متمنعين محميين بحماية غيرهم من المنعة والحشم حين لقوا ما لقوا من الحالة الفظيعة فلأن يلقاها من عداهم من الحماة والخدم أولى وأقدم (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) على إضمار القول مسوقا لردهم وتبكيتهم وإقناطهم مما علقوا به أطماعهم الفارغة من الإغاثة والإعانة من جهته تعالى وتخصيص اليوم بالذكر لتهويله والإيذان بتفويتهم وقت الجؤار وقد جوز كونه جواب الشرط وأنت خبير بأن المقصود الأصلى فى الجملة الشرطية هو الجواب فيؤدى ذلك إلى أن يكون مفاجأتهم إلى الجؤار غير مقصود أصلى وقوله تعالى (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) تعليل للنهى عن الجؤار ببيان عدم إفادته ونفعه أى لا يلحقكم من جهتنا نصرة تنجيكم مما دهمكم وقيل لا تغاثون ولا تمنعون منا ولا يساعده سباق النظم الكريم لأن جؤارهم ليس إلى غيره تعالى حتى يرد عليهم بعدم منصوريتهم من قبله ولا سياقه فإن قوله تعالى (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) الخ صريح فى أنه تعليل لما ذكرنا من عدم لحوق النصر من جهته