(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٢٧)
____________________________________
على ترامى أحوالهم فى المكابرة والعناد وإضرابهم عما وصفوه عليهالسلام به من البشرية وإرادة التفضل إلى وصفه عليهالسلام بما ترى وهم يعرفون أنه عليهالسلام أرجح الناس عقلا وأرزنهم قولا وعلى الأول على تناقض مقالاتهم الفاسدة قاتلهم الله أنى يؤفكون (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية كلام الكفرة كأنه قيل فماذا قال عليهالسلام بعد ما سمع منهم هذه الأباطيل فقيل قال لما رآهم قد أصروا على الكفر والتكذيب وتمادوا فى الغواية والضلال حتى بئس من إيمانهم بالكلية وقد أوحى الله إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن (رَبِّ انْصُرْنِي) بإهلاكهم بالمرة فإنه حكاية إجمالية لقوله عليهالسلام رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الخ (بِما كَذَّبُونِ) أى بسبب تكذيبهم إياى* أو بدل تكذيبهم (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) عند ذلك (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) أن مفسرة لما فى الوحى من معنى القول (بِأَعْيُنِنا) ملتبسا بحفظنا وكلاءتنا كأن معه عليهالسلام منه عز وعلا حفاظا وحراسا يكلئونه بأعينهم من التعدى أو من الزبغ فى الصنعة (وَوَحْيِنا) وأمرنا وتعليمنا لكيفية صنعها والفاء فى قوله تعالى (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) لترتيب مضمون ما بعدها على تمام صنع الفلك والمراد بالأمر العذاب كما فى قوله تعالى (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) لا الأمر بالركوب كما قيل وبمجيئه كمال اقترابه أو ابتداء ظهوره أى إذا جاء إثر تمام الفلك عذابنا وقوله تعالى (وَفارَ التَّنُّورُ) عطف بيان لمجىء الأمر روى أنه قيل له عليهالسلام إذا فار الماء من* التنور اركب أنت ومن معك وكان تنور آدم عليهالسلام فصار إلى نوح عليهالسلام فلما نبع منه الماء أخبرته امرأته فركبوا واختلف فى مكانه فقيل كان فى مسجد الكوفة أى فى موضعه عن يمين الداخل من باب كندة اليوم وقيل كان فى عين وردة من الشام وقد مر تفصيله فى تفسير سورة هود عليهالسلام (فَاسْلُكْ فِيها) أى ادخل فيها يقال سلك فيه أى دخل فيه وسلكه فيه أدخله فيه ومنه قوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (مِنْ كُلٍّ) أى من كل أمة (زَوْجَيْنِ) أى فردين مزدوجين كما يعرب عنه قوله تعالى (اثْنَيْنِ) فإنه* نص فى الفردين دون الجمعين أو الفريقين وقرىء بالإضافة على أن المفعول اثنين أى من كل أمتى زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك وهذا صريح فى أن الأمر كان قبل صنعة الفلك وفى سورة هود حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين فالوجه أن يحمل إما على أنه حكاية لأمر آخر تنجيزى ورد عند فوران التنور الذى نيط به الأمر التعليقى اعتناء بشأن المأمور به أو على أن ذلك هو الأمر السابق بعينه لكن لما كان الأمر التعليقى قبل تحقق المعلق به فى حق إيجاب المأمور به بمنزلة العدم جعل كأنه إنما حدث عند تحققه فحكى على صورة التنجيز وقد مر فى تفسير قوله