(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (٢٥)
____________________________________
لإله باعتبار محله الذى هو الرفع على أنه فاعل أو مبتدأ خبره لكم أو محذوف ولكم للتخصيص والتبيين* أى مالكم فى الوجود أو فى العالم إله غيره تعالى وقرىء بالجر باعتبار لفظه (أَفَلا تَتَّقُونَ) أى أفلا تقون أنفسكم عذابه الذى يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته كما يفصح عنه قوله تعالى (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وقوله تعالى (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وقيل أفلا تخافون أن ترفضوا عبادة الله الذى هو ربكم الخ وليس بذاك وقيل أفلا تخافون أن يزبل عنكم نعمه الخ وفيه ما فيه والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أتعرفون ذلك أى مضمون قوله تعالى (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) عذابه بسبب إشراككم به فى العبادة مالا يستحق الوجود لو لا إيجاد الله تعالى إياه فضلا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الاتقاء مع تحقق ما يوجبه أو ألا تلاحظون ذلك فلا تتقونه فالمنكر كلا الأمرين فالمبالعة حينئذ فى الكمية وفى الأول فى الكيفية (فَقالَ الْمَلَأُ) أى الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وصف الملأ بما ذكر مع اشتراك الكل فيه للإيذان بكمال عراقتهم فى الكفر وشدة شكيمتهم فيه أى قالوا* لعوامهم (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أى فى الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه وصفوه عليهالسلام بذلك مبالغة فى وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أى يريد أن يطلب الفضل عليكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم وصفوه بذلك إغضابا للمخاطبين عليه عليهالسلام* وإغراء لهم على معاداته عليهالسلام وقوله تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليهالسلام أى لو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلا من الملائكة وإنما قيل لأنزل لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال فمفعول المشيئة مطلق* الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه كما فى قوله تعالى (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) ونظائره (ما سَمِعْنا بِهذا) أى بمثل هذا الكلام الذى هو الأمر بعبادة الله خاصة وترك عبادة ما سواه وقيل بمثل نوح عليهالسلام فى* دعوى النبوة (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أى الماضين قبل بعثته عليهالسلام قالوه إما لكونهم وآبائهم فى فترة متطاولة وإما لفرط غلوهم فى التكذيب والعناد وانهما كهم فى الغى والفساد وأياما كان فقولهم هذا ينبغى أن يكون هو الصادر عنهم فى مبادى دعوته عليهالسلام كما تنبىء عنه الفاء فى قوله تعالى (فَقالَ الْمَلَأُ) الخ وقيل معناه ما سمعنا به عليهالسلام أنه نبى فالمراد بآبائهم الأولين الذين مضوا قبلهم فى زمن نوح عليهالسلام وقولهم المذكور هو الذى صدر عنهم فى أواخر أمره عليهالسلام وهو المناسب لما بعده من حكاية دعائه عليهالسلام وقولهم (إِنْ هُوَ) أى ما هو (إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أى جنون أو جن يخيلونه ولذلك يقول ما يقول (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) أى احتملوه واصبروا عليه وانتظروا (حَتَّى حِينٍ) لعله يفيق مما فيه محمول حينئذ