(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٢٣)
____________________________________
الآخر أى تنبت بالشىء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أى يغمس فيه للائتدام وقرىء وصباغ كدباغ فى دبغ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) بيان للنعم الفائضة عليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الواصلة إليهم من جهة الماء والنبات وقد بين أنها مع كونها فى نفسها نعمة ينتفعون بها على وجوه شتى عبرة لا بد من أن يعتبروا بها ويستدلوا بأحوالها على عظيم قدرة الله عزوجل وسابغ رحمته ويشكروه ولا يكفروه وخص هذا بالحيوان لما أن محل العبرة فيه أظهر مما فى النبات وقوله تعالى (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) تفصيل لما فيها من مواقع العبرة وما فى بطونها* عبارة إما عن الألبان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الجوف أو عن العلف الذى يتكون منه اللبن فمن ابتدائية والبطون على حقيقتها وقرىء بفتح النون وبالتاء أى تسقيكم الأنعام (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) * غير ما ذكر من أصوافها وأشعارها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) فتنتفعون بأعيانها كما تنتفعون بما يحصل منها (وَعَلَيْها) أى على الأنعام فإن الحمل عليها لا يقتضى الحمل على جميع أنواعها بل يتحقق بالحمل على البعض كالإبل ونحوها وقيل المراد هى الإبل خاصة لأنها هى المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة [سفينة بر تحت خدى زمامها] فالضمير فيه كما فى قوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أى فى البر والبحر وفى الجمع بينها وبين الفلك فى إيفاع الحمل عليها مبالغة فى تحملها للحمل وهو الداعى إلى تأخير ذكر هذه المنفعة مع كونها من المنافع الحاصلة منها عن ذكر منفعة الأكل المتعلقة بعينها (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) شروع فى بيان إهمال الأمم السابقة وتركهم النظر والاعتبار فيما عدد من النعم الفائتة للحصر وعدم تذكرهم بتذكير رسلهم وما حاق بهم لذلك من فنون العذاب تحذيرا للمخاطبين وتقديم قصة نوح عليهالسلام على سائر القصص مما لا يخفى وجهه وفى إيرادها إثر قوله تعالى (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) من حسن الموقع ما لا يوصف والواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وتصدير القصة به لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها أى وبالله لقد أرسلنا نوحا الخ ونسبه الكريم وكيفية بعثه وكمية لبثه فيما بينهم قد مر تفصيله فى سورة الأعراف وسورة هود (فَقالَ) متعطفا عليهم ومستميلا لهم إلى الحق* (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أى اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله تعالى فى سورة هود (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وترك* التقييد به للإيذان بأنها هى العبادة فقط وأما العبادة بالإشراك فليست من العبادة فى شىء رأسا وقوله تعالى (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) استئناف مسوق لتعليل العبادة المأمور بها أو تعليل الأمر بها وغيره بالرفع صفة*