(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٢٠)
____________________________________
الجنة قيل هى خمسة أنهار سيحون نهر الهند وجيحون نهر بلخ ودجلة والفرات نهر العراق والنيل نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة فاستودعها الجبال وأجراها فى الأرض وجعل فيها منافع للناس فى فنون معايشهم ومن ابتدائية متعلقة بأنزلنا وتقديمها على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والعدول عن الإضمار لأن الإنزال لا يعتبر فيه عنوان كونها طرائق بل مجرد كونها جهة العلو (بِقَدَرٍ) بتقدير لائق لاستجلاب منافعهم ودفع مضارهم أو بمقدار ما علمنا من حاجاتهم ومصالحهم (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أى جعلناه ثابتا قارا فيها (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) أى إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التغوير بحيث يتعذر استنباطه (لَقادِرُونَ) كما كنا قادرين على إنزاله وفى تنكير ذهاب إيماء إلى كثرة طرقه ومبالغة فى الإبعاد به ولذلك جعل أبلغ من قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) أى بذلك الماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها) فى الجنات (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكهون بها (وَمِنْها) من الجنات (تَأْكُلُونَ) تغذيا أو ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته ويجوز أن يعود الضميران للنخيل والأعناب أى لكم فى ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه (وَشَجَرَةً) بالنصب عطف على جنات وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما قبله أى ومما أنشىء لكم به شجرة وتخصيصها بالذكر من بين الأشجار لاستقلالها بمنافع معروفة قيل هى أول شجرة نبتت بعد الطوفان وقوله تعالى (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) وهو جبل موسى عليهالسلام بين مصر وأيلة وقيل بفلسطين ويقال له طور سينين فإما أن يكون الطور اسم الجبل وسيناء اسم البقعة أضيف إليها أو المركب منهما علم له كامرىء القيس ومنع صرفه على قراءة من كسر السين للتعريف والعجمة أو التأنيث على تأويل البقعة لاللألف لأنه فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة أو بالقصر وهو النور أو ملحق بفعلان كعلباء من السين إذ لا فعلاء بألف التأنيث بخلاف سيناء فإنه فيعال ككيسان أو فعلاء كصحراء إذ لا فعلال فى كلامهم وقرىء بالكسر والقصر والجملة صفة لشجرة وتخصيصها بالخروج منه مع خروجها من سائر البقاع أيضا لتعظيمها ولأنه المنشأ الأصلى لها وقوله تعالى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) صفة أخرى لشجرة والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا منها أى تنبت ملتبسة به ويجوز كونها صلة معدية أى تنبته بمعنى تتضمنه وتحصله فإن النبات حقيقة صفة للشجرة لا للدهن وقرىء تنبت من الإفعال وهو إما من الإنبات بمعنى النبات كما فى قول زهير[رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم * قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل] أو على تقدير تنبت زيتونها ملتبسا بالدهن وقرىء على البناء للمفعول وهو كالأول وتثمر بالدهن وتخرج بالدهن وتنبت بالدهان (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفى الشىء على