(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (١٨)
____________________________________
لدلالة الخالقين عليه كما حذف المأذون فيه فى قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) لدلالة الصلة عليه أى أحسن الخالقين خلقا فالحسن للخلق قيل نظيره قوله صلىاللهعليهوسلم إن الله جميل يحب الجمال أى جميل فعله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعا فاستكن روى أن عبد الله بن أبى سرح كان يكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم الوحى فلما انتهى صلىاللهعليهوسلم إلى قوله خلقا آخر سارع عبد الله إلى النطق به قبل إملائه صلىاللهعليهوسلم فقال اكتبه هكذا نزلت فشك عبد الله فقال إن كان محمد يوحى إليه فأنا كذلك فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح وقيل مات على كفره وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما نزلت هذه الآية قال عمر رضى الله عنه فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هكذا نزل يا عمر وكان رضى الله عنه بفتخر بذلك ويقول وافقت ربى فى أربع الصلاة خلف المقام وضرب الحجاب على النسوة وقولى لهن أو ليبدله الله خيرا منكن فنزل قوله تعالى (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ) الآية والرابع فتبارك الله أحسن الخالقين انظر كيف وقعت هذه الواقعة سببا لسعادة عمر رضى الله عنه وشقاوة ابن أبى سرح حسبما قال تعالى يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا لا يقال فقد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن وذلك قادح فى إعجازه لما أن الخارج عن قدرة البشر ما كان مقدار أقصر السور على أن إعجاز هذه الآية الكريمة منوط بما قبلها كما تعرب عنه الفاء فإنها اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) أى بعد ما ذكر من الأمور العجيبة حسبما ينبىء عنه ما فى اسم الإشارة من معنى البعد المشعر بعلو رتبة المشار إليه وبعد منزلته فى الفضل والكمال وكونه بذلك ممتازا منزلا منزلة الأمور الحسية (لَمَيِّتُونَ) لصائرون إلى الموت لا محالة كما تؤذن به صيغة النعت الدالة على الثبوت دون الحدوث الذى تفيده صيغة الفاعل وقد قرىء لمائتون (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أى عند النفخة الثانية (تُبْعَثُونَ) من قبوركم للحساب والمجازاة بالثواب والعقاب (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ) بيان لخلق ما يحتاج إليه بقاؤهم إثر بيان خلقهم أى خلقنا فى جهة العلو من غير اعتبار فوقيتها لهم لأن تلك النسبة إنما تعرض لها بعد خلقهم (سَبْعَ طَرائِقَ) هى السموات السبع سميت بها لأنها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل فإن كل مافوقه مثله فهو طريقة أو لأنها طرائق الملائكة أو الكواكب فيها مسيرها (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) عن ذلك المخلوق الذى هو السموات أو عن جميع المخلوقات التى هى من جملتها أو عن الناس (غافِلِينَ) مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة ويصل إلى ما فى الأرض منافعها كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) هو المطر أو الأنهار النازلة من