(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤)
____________________________________
إثر بيان حال بعض أفراده السعداء واللام جواب قسم والواو ابتدائية وقيل عاطفة على ما قبلها والمراد بالإنسان الجنس أى وبالله لقد خلقنا جنس الإنسان فى ضمن خلق آدم عليهالسلام خلقا إجماليا حسبما تحققته فى سورة الحج وغيرها وأما كونه مخلوقا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار وأطوار فبعيد (مِنْ سُلالَةٍ) السلالة ما سل من الشىء واستخرج منه فإن فعالة اسم لما يحصل من الفعل فتارة تكون مقصودا منه كالخلاصة وأخرى غير مقصود منه كالقلامة والكناسة والسلالة من قبيل الأول فإنها مقصودة بالسل ومن ابتدائية متعلقة بالخلق ومن فى قوله تعالى (مِنْ طِينٍ) بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة أى خلقناه من سلالة كائنة من طين ويجوز أن تتعلق بسلالة على أنها بمعنى مسلولة فهى ابتدائية كالأولى وقيل المراد بالإنسان آدم عليهالسلام فإنه الذى خلق من صفوة سلت من الطين وقد وقفت على التحقيق (ثُمَّ جَعَلْناهُ) أى الجنس باعتبار أفراده المغايرة لآدم عليهالسلام أو جعلنا نسله على حذف المضاف إن أريد بالإنسان آدم عليهالسلام (نُطْفَةً) بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة والتذكير بتأويل الجوهر أو المسلول أو الماء (فِي قَرارٍ) أى مستقر وهو الرحم عبر عنها بالقرار الذى هو مصدر مبالغة وقوله تعالى (مَكِينٍ) وصف لها بصفة ما استقر فيها مثل طريق سائر أو بمكانتها فى نفسها فإنها مكنت بحيث هى وأحرزت (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) أى دما جامدا بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) أى قطعة لحم لا استبانة ولا تمايز فيها (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ) أى غالبها ومعظمها أو كلها (عِظاماً) بأن صلبناها وجعلناها عمودا للبدن على هيئات وأوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ) المعهودة (لَحْماً) من بقية المضغة أو مما أنبتنا عليها بقدرتنا مما يصل إليها أى كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به وهيئة مناسبة له واختلاف العواطف للتنبيه على تفاوت الاستحالات وجمع العظام لاختلافها وقرىء على التوحيد فيهما اكتفاء بالجنس وبتوحيد الأول فقط وبتوحيد الثانى فحسب (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) هى صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخه فيه أو المجموع وثم لكمال التفاوت بين الخلقين واحتج به أبو حنيفة رحمهالله على أن من غصب بيضة فأفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر (فَتَبارَكَ اللهُ) فتعالى شأنه فى علمه الشامل وقدرته الباهرة والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة والإشعار بأن ما ذكر من الأفاعيل العجيبة من أحكام الألوهية وللإيذان بأن حق كل من سمع ما فصل من آثار قدرته عز وعلا أو لاحظه أن يسارع إلى التكلم به إجلالا وإعظاما لشؤونه تعالى (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) بدل من الجلالة وقيل نعت له بناء على أن الإضافة ليست لفظية وقيل خبر مبتدأ محذوف أى هو أحسن الخالقين خلقا أى المقدرين تقديرا حذف المميز