(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١٢)
____________________________________
أنها ليست زوجة له فلأنهما لا يتوارثان بالإجماع ولو كانت زوجة له لحصل التوارث لقوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) فوجب أن لا تحل لقوله تعالى (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) لأن لهم أن يقولوا إنها زوجة له فى الجملة وأما أن كل زوجة ترث فهم لا يسلمونها وأما ما قيل من أنه إن أريد لو كانت زوجة حال الحياة لم يفد وإن أريد بعد الموت فالملازمة ممنوعة فليس له معنى محصل نعم لو عكس لكان له وجه (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ) لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق (راعُونَ) أى قائمون عليها حافظون لها على وجه الإصلاح وقرىء لأمانتهم (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ) المفروضة عليهم (يُحافِظُونَ) يواظبون عليها ويؤدونها فى أوقاتها ولفظ الفعل فيه لما فى الصلاة من التجدد والتكرر وهو السر فى جمعها وليس فيه تكرير لما أن الخشوع فى الصلاة غير المحافظة عليها وفصلهما للإيذان بأن كلا منهما فضيلة مستقلة على حيالها ولو قرنا فى الذكر لربما توهم أن مجموع الخشوع والمحافظة فضيلة واحدة (أُولئِكَ) إشارة إلى المؤمنين باعتبار اتصافهم بما ذكر من الصفات وإيثارها على الإضمار للإشعار بامتيازهم بها عن غيرهم ونزولهم منزلة المشار إليه حسا وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو طبقتهم وبعد درجتهم فى الفضل والشرف أى أولئك المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة (هُمُ الْوارِثُونَ) أى الأحقاء بأن يسموا وراثا دون من عداهم ممن ورث رغائب الأموال والذخائر وكرائمهما (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها وتفسير لها بعد إبهامها تفخيما لشأنها ورفعا لمحلها وهى استعارة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم حسبما يقتضيه الوعد الكريم للمبالغة فيه وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار (هُمْ فِيها) أى فى الفردوس والتأنيث لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا وهو البستان الجامع لأصناف الثمر روى أنه تعالى بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الأذفر وفى رواية ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان (خالِدُونَ) لا يخرجون منها أبدا والجملة إما مستأنفة مقررة لما قبلها وإما حال مقدرة من فاعل يرثون أو مفعوله إذ فيها ذكر كل منهما ومعنى الكلام لا يموتون ولا يخرجون منها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) شروع فى بيان مبدأ خلق الإنسان وتقلبه فى أطوار الخلقة وأدوار الفطرة بيانا إجماليا