(وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) (٦٧)
____________________________________
أصلب من الحجر ولا أشد من الحديد ولا أهيب من النار وهى مسخرة لكم وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم لتعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر (وَالْفُلْكَ) عطف على ما أو على اسم أن وقرىء بالرفع على الابتداء (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) حال من الفلك على الأول وخبر على الأخيرين (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) أى من أن تقع أو كراهة أن تقع بأن خلقها على هيئة متداعية إلى الاستمساك (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أى بمشيئته وذلك يوم القيامة وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية فى الجسمية لسائر الأجسام القابلة للميل الهابط فتقبله كقبول غيرها (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث هيأ لهم أسباب معاشهم وفتح عليهم أبواب المنافع وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا حسبما فصل فى مطلع السورة الكريمة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند مجىء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) عند البعث (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) أى جحود للنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده (لِكُلِّ أُمَّةٍ) كلام مستأنف جىء به لزجر معاصريه صلىاللهعليهوسلم من أهل الأديان السماوية عن منازعته صلىاللهعليهوسلم ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم فى النظر أى لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية (جَعَلْنا) أى وضعنا وعينا (مَنْسَكاً) أى شريعة خاصة لا لأمة أخرى منهم على معنى عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا وقوله تعالى (هُمْ ناسِكُوهُ) صفة لمنسكا مؤكدة للقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أى تلك الأمة المعينة ناسكوه والعاملون به لا أمة أخرى فالأمة التى كانت من مبعث موسى عليهالسلام إلى مبعث عيسى عليهالسلام منسكهم التوراة هم ناسكوها والعاملون بها لا غيرهم والتى كانت من مبعث عيسى إلى مبعث النبى صلىاللهعليهوسلم منسكهم الإنجيل هم ناسكوه والعاملون به لا غيرهم وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبى صلىاللهعليهوسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم الفرقان ليس إلا كما مر فى تفسير قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا والفاء فى قوله تعالى (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) لترتيب النهى أو موجبه على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التى من جملتهم هذه الأمة شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها موجب لطاعة هؤلاء لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعدم منازعتهم إياه فى أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم الأولين من التوراة والإنجيل فإنهما شريعتان لمن مضى من الأمم قبل انتساخهما وهؤلاء أمة مستقلة منسكهم القرآن المجيد فحسب والنهى إما على حقيقته أو كناية عن نهيه صلىاللهعليهوسلم عن الالتفات إلى نزاعهم المنبىء على زعمهم المذكور وأما جعله عبارة عن نهيه صلىاللهعليهوسلم