(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٦٥)
____________________________________
فيعفو عن المنتصر ويغفر له ما صدر عنه من ترجيح الانتقام على العفو والصبر المندوب إليهما بقوله تعالى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ) أى ما ذكر من الصبر والمغفرة (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) فإن فيه حثا بليغا على العفو والمغفرة فإنه تعالى مع كمال قدرته لما كان يعفو ويغفر فغيره أولى بذلك وتنبيها على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده (ذلِكَ) إشارة إلى النصر وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته ومحله الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أى بسبب أنه تعالى من شأنه وسنته تغليب بعض مخلوقاته على بعض والمداولة بين الأشياء المتضادة وعبر عن ذلك بإدخال أحد الملوين فى الآخر بأن يزيد فيه ما ينقص عن الآخر أو بتحصيل أحدهما فى مكان الآخر لكونه أظهر المواد وأوضحها (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بكل المسموعات التى من جملتها قول المعاقب (بَصِيرٌ) بجميع المبصرات ومن جملتها أفعاله (ذلِكَ) أى الاتصاف بما ذكر من كمال القدرة والعلم وما فيه من معنى البعد لما مر آنفا وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) الواجب لذاته الثابت فى نفسه وصفاته وأفعاله وحده فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان كونه مبدأ لكل ما يوجد من الموجودات عالما بكل المعلومات أو الثابت إلهية فلا يصلح لها إلا من كان عالما قادرا (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلها وقرىء على البناء للمفعول على أن الواو لما فإنه عبارة عن الآلهة وقرىء بالتاء على خطاب المشركين (هُوَ الْباطِلُ) أى المعدوم فى حد ذاته أو الباطل ألوهيته (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) على جميع الأشياء (الْكَبِيرُ) عن أن يكون له شريك لا شىء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) استفهام تقرير كما يفصح عنه الرفع فى قوله تعالى (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) بالعطف على أنزل وإيثار صيغة الاستقبال للإشعار بتجدد أثر الإنزال واستمراره أو لاستحضار صورة الاخضرار (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يصل لطفه أو علمه إلى كل ما جل ودق (خَبِيرٌ) بما يليق من التدابير الحسنة ظاهرا وباطنا (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا وتصرفا (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ) عن كل شىء (الْحَمِيدُ) المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) أى جعل ما فيها من الأشياء مذللة لكم معدة لمنافعكم تتصرفون فيها كيف شئتم فلا