(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٦٠)
____________________________________
* الشر والفساد أى أولئك الموصوفون بما ذكر من الكفر والتكذيب وهو مبتدأ وقوله تعالى (لَهُمْ عَذابٌ) جملة اسمية من مبتدأ وخبر مقدم عليه وقعت خبرا لأولئك أو لهم خبر لأولئك وعذاب مرتفع على الفاعلية بالاستقرار فى الجار والمجرور لاعتماده على المبتدأ وأولئك مع خبره على الوجهين خبر للموصول وتصديره بالفاء للدلالة على أن تعذيب الكفار بسبب أعمالهم السيئة كما أن تجريد خبر الموصول الأول عنها للإيذان بأن إثابة المؤمنين بطريق التفضل لا لإيجاب الأعمال الصالحة إياها وقوله تعالى (مُهِينٌ) صفة لعذاب مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة وفيه من المبالغة من وجوه شتى ما لا يخفى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أى فى الجهاد حسبما يلوح به قوله تعالى (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) أى فى تضاعيف المهاجرة ومحل الموصول الرفع على الابتداء وقوله تعالى (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) جواب لقسم محذوف والجملة خبره ومن منع وقوع الجملة القسمية وجوابها خبرا للمبتدأ يضمر قولا هو الخبر والجملة محكية به وقوله تعالى (رِزْقاً حَسَناً) إما مفعول ثان على أنه من باب الرعى والذبح أى مرزوقا حسنا أو مصدر مؤكد والمراد به ما لا ينقطع أبدا من نعيم الجنة وإنما سوى بينهما فى الوعد لاستوائهما فى القصد وأصل العمل على أن مراتب الحسن متفاوتة فيجوز تفاوت حال المرزوقين حسب تفاوت الأرزاق الحسنة وروى أن بعض أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم قالوا يا نبى الله هؤلاء الذين قتلوا فى سبيل الله قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فنزلت وقيل نزلت فى طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون فقتلوهم (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإنه يرزق بغير حساب مع أن ما يرزقه لا يقدر عليه أحد غيره والجملة اعتراض تذييلى مقرر لما قبله وقوله تعالى (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) بدل من قوله تعالى (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ) أو استئناف مقرر لمضمونه ومدخلا إما اسم مكان أريد به الجنة فهو مفعول ثان للإدخال أو مصدر ميمى أكد به فعله قال ابن عباس رضى الله عنهما إنما قيل يرضونه لما أنهم يرون فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيرضونه (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بأحوالهم وأحوال معاديهم (حَلِيمٌ) لا يعاجلهم بالعقوبة (ذلِكَ) خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلك والجملة لتقرير ما قبله والتنبيه على أن ما بعده كلام مستأنف (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أى لم يزد فى الاقتصاص وإنما سمى الابتداء بالعقاب الذى هو جزاء الجناية للمشاكلة أو لكونه سببا له (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) بالمعاودة إلى العقوبة (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) على من بغى عليه لا محالة (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أى مبالغ فى العفو والغفران