(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٠٣)
____________________________________
الاعتراف بذنوبهم فى التخلف عن هذه المرة وتذممهم وندامتهم على ذلك وتخصيصه بالاعتراف لا يناسب الخلط لا سيما على وجه يؤذن بتوارد المختلطين وكون كل منهما مخلوطا ومخلوطا به كما يؤذن به تبديل الواو بالباء فى قوله تعالى (وَآخَرَ سَيِّئاً) فإن قولك خلطت الماء باللبن يقتضى إيراد الماء على اللبن دون* العكس وقولك خلطت الماء واللبن معناه إيقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا به وترك تلك الدلالة للدلالة على جعل كل منهما متصفا بالوصفين جميعا وذلك فيما نحن فيه بورود كل من العملين على الآخر مرة بعد أخرى والمراد بالعمل السيىء ما صدر عنهم من الأعمال السيئة أولا وآخرا وعن الكلبى التوبة والإثم وقيل الواو بمعنى الباء كما فى قولهم بعت الشاء شاة ودهما بمعنى شاة بدرهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أى يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يتجاوز* عن سيئات التائب ويتفضل عليه وهو تعليل لما تفيده كلمة عسى من وجوب القبول فإنها للأطماع الذى هو من أكرم الأكرمين إيجاب وأى إيجاب (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) روى أنهم لما أطلقوا قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التى خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال صلىاللهعليهوسلم ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت فليست هى الصدقة المفروضة لكونها مأمورا بها ولما روى أنه صلىاللهعليهوسلم أخذ منهم الثلث وترك لهم الثلثين فوقع ذلك بيانا لما فى صدقة من الإجمال وإنما هى كفارة لذنوبهم حسبما ينبىء عنه قوله عزوجل (تُطَهِّرُهُمْ) * أى عما تلطخوا به من أوضار التخلف والتاء للخطاب والفعل مجزرم على أنه جواب للأمر وقرىء بالرفع على أنه حال من ضمير المخاطب فى خذ أو صفة لصدقة والتاء للخطاب أو للصدقة والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده وقرىء تطهرهم من أطهره بمعنى طهره (وَتُزَكِّيهِمْ بِها) بإثبات الياء وهو خبر لمبتدأ* محذوف والجملة حال من الضمير فى الأمر أو فى جوابه أى وأنت تزكيهم بها أى تنمى بتلك الصدقة حسناتهم إلى مراتب المخلصين أو أموالهم أو تبالغ فى تطهيرهم هذا على قراءة الجزم فى تطهرهم وأما على قراءة الرفع فسواء جعلت التاء للخطاب أو للصدقة وكذا إذا جعلت الجملة الأولى حالا من ضمير المخاطب أو صفة للصدقة على الوجهين فالثانية عطف على الأولى حالا وصفة من غير حاجة إلى تقدير المبتدأ لتوجيه دخول الواو فى الجملة الحالية (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أى واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم (إِنَّ صَلاتَكَ) وقرىء صلواتك مراعاة لتعدد المدعو لهم (سَكَنٌ لَهُمْ) تسكن نفوسهم إليها وتطمئن قلوبهم* بها ويثقون بأنه سبحانه قبل توبتهم والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) يسمع ما صدر* عنهم من الاعتراف بالذنب والتوبة والدعاء (عَلِيمٌ) بما فى ضمائرهم من الندم والغم لما فرط منهم ومن الإخلاص فى التوبة والدعاء أو سميع يجيب دعاءك لهم عليم بما تقتضيه الحكمة والجملة حينئذ تذييل للتعليل مقرر لمضمونه وعلى الأول تذييل لما سبق من الآيتين محقق لما فيهما.