(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢)
____________________________________
والتحامى عن مواقع التهم إلى مبلغ يخفى عليك حالهم مع ما أنت عليه من علو الكعب وسمو الطبقة فى كمال الفطنة وصدق الفراسة وفى تعليق نفى العلم بهم مع أنه متعلق بحالهم مبالغة فى ذلك وإيماء إلى أن ما هم فيه من صفة النفاق لعراقتهم ورسوخهم فيها صارت بمنزلة ذاتياتهم أو مشخصاتهم بحيث لا يعد من لا يعرفهم بتلك الصفة عالما بهم وحمل عدم علمه صلىاللهعليهوسلم بأعيانهم على عدم علمه صلىاللهعليهوسلم بعد مجىء هذا البيان على أنه صلىاللهعليهوسلم يعلم أن فيهم منافقين لكن لا يعلمهم بأعيانهم مع كونه خلاف الظاهر عار عما ذكر من المبالغة وقوله عزوجل (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) تقرير لما سبق من مهارتهم فى فن النفاق أى لا يقف على سرائرهم المركوزة فى ضمائرهم إلا من لا تخفى عليه خافية لما هم عليه من شدة الاهتمام بإبطان الكفر وإظهار الإخلاص وفى تعليق العلم* بهم مع أن المقصود بيان تعلقه بحالهم ما مر فى تعليق نفيه بهم وقوله عز شأنه (سَنُعَذِّبُهُمْ) وعيد لهم وتحقيق* لعذابهم حسبما علم الله فيهم من موجباته والسين للتأكيد (مَرَّتَيْنِ) عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلىاللهعليهوسلم قام خطيبا يوم الجمعة فقال اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرج ناسا وفضحهم فهذا هو العذاب الأول والثانى إما القتل وإما عذاب القبر أو الأول هو القتل والثانى عذاب القبر أو الأول أخذ الزكاة لما أنهم يعدونها مغرما بحتا والثانى نهك الأبدان وإتعابها بالطاعات الفارغة عن الثواب ولعل تكرير عذابهم لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه ويجوز* أن يكون المراد بالمرتين مجرد التكثير كما فى قوله تعالى (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أى كرة بعد أخرى (ثُمَّ يُرَدُّونَ) يوم القيامة (إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) هو عذاب النار وفى تغيير السبك بإسناد عذابهم السابق إلى نون العظمة حسب إسناد ما قبله من العلم وإسناد ردهم إلى العذاب اللاحق إلى أنفسهم إيذان باختلافهما حالا وأن الأول خاص بهم وقوعا وزمانا يتولاه سبحانه وتعالى والثانى شامل لعامة الكفرة وقوعا وزمانا وإن اختلفت طبقات عذابهم (وَآخَرُونَ) بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم فى أمور الدين* وهو عطف على (مُنافِقُونَ) أى ومنهم يعنى وممن حولكم ومن أهل المدينة قوم آخرون (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) التى هى تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه والرضا بسوء جوار المنافقين وندموا على ذلك ولم يعتدروا بالمعاذير الكاذبة ولم يخفوا ما صدر عنهم من الأعمال السيئة كما فعله من اعتاد إخفاء ما فيه وإبراز ما ينافيه من المنافقين الذين اعتذروا بما لا خير فيه من المعاذير المؤكدة بالأيمان الفاجرة حسب ديدنهم المألوف وهم رهط من المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سوارى المسجد عند ما بلغهم ما نزل فى المتخلفين فقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك فسأل عن شأنهم فقيل إنهم أقسموا* أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم فقال صلىاللهعليهوسلم وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم فنزلت (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) هو ما سبق منهم من الأعمال الصالحة والخروج إلى المغازى السابقة وغيرها وما لحق من