(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩)
____________________________________
يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله صلىاللهعليهوسلم وأما ما قيل من أنه لاستبعاد ثباتهم على العهد فكما ترى لأن ما يذكر بصدد التعليل للاستبعاد عين عدم ثباتهم على العهد لا أنه شىء يستدعيه وإنما أعيد الاستنكار والاستبعاد تأكيدا لهما وتمهيدا لتعداد العلل الموجبة لهما لإخلال تخلل ما فى البين من الارتباط والتقريب وحذف الفعل المستنكر للإيذان بأن النفس مستحضرة له مترقبة لورود ما يوجب استنكاره لا لمجرد كونه معلوما كما فى قوله[وخبر تمانى أنما الموت بالقرى * فكيف وهاتا هضبة وقليب] فإنه علة مصححة لا مرجحة أى كيف يكون لهم عهد معتد به عند الله تعالى وعند رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أى وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم أى يظفروا بكم (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ) أى لا يراعوا فى شأنكم وأصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق* الرعاية والمراقبة أبلغ منه كالمراعاة وفى نفى الرقوب من المبالغة ما ليس فى نفيها (إِلًّا وَلا ذِمَّةً) أى حلفا وقيل قرابة ولا عهدا أو حقا يعاب على إغفاله مع ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق يعنى أن وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروط بمراعاة الآخر لها فإذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها على منوال قول من قال[علام تقبل منهم فدية وهم * لا فضة قبلوا منا ولا ذهبا] وقيل الإل من أسماء الله عزوجل أى لا يراعوا حق الله تعالى وقيل الجوار ومآله الحلف لأنهم إذا تماسحوا وتحالفو ارفعوا به أصواتهم لتشهيره ولما كان تعليق عدم رعاية العهد بالظفر موهما للرعاية عند عدمه كشف عن حقيقة شئونهم الجليلة والخفية بطريق الاستئناف وبين أنهم فى حالة العجز أيضا ليسوا من الوفاء* فى شىء وأن ما يظهرونه مداهنة لا مهادنة فقيل (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالإيمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالأيمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الإرضاء إلى الأفواه للإيذان بأن كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير أن يكون لها* مصداق فى قلوبهم (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) ما يفيده كلامهم (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الطاعة فإن مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون ليست لهم مروءة رادعة ولا عقيدة وزاعة ولا يتسترون كما يتعاطاه بعضهم ممن يتفادى عن الغدر ويتعفف عما يجر أحدوثة السوء (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ) بآياته الآمرة بالإيفاء بالعهود والاستقامة فى كل أمر أو بجميع آياته فيدخل فيها ما ذكر دخولا أوليا أى تركوها* وأخذوا بدلها (ثَمَناً قَلِيلاً) أى شيئا حقيرا من حطام الدنيا وهو أهواؤهم وشهواتهم التى اتبعوها أو* ما أنفقه أبو سفيان من الطعام وصرفه إلى الأعراب (فَصَدُّوا) أى عدلوا ونكبوا من صد صدودا أو* صرفوا غيرهم من صد صدا والفاء للدلالة على سببية الاشتراء لذلك (عَنْ سَبِيلِهِ) أى الدين الحق الذى* لا محيد عنه والإضافة للتشريف أو سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى بئس ما كانوا يعملونه أو عملهم المستمر والمخصوص بالذم محذوف وقد جوز أن تكون كلمة ساء على أصلها من التصرف لازمة بمعنى قبح أو متعدية والمفعول محذوف أى ساءهم الذى