(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥)
____________________________________
والغادر منافية لذلك وإن كان المعاهد مشركا (فَإِذَا انْسَلَخَ) أى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده والأغلب إسناده إلى الجلد والمعنى إذا انقضى (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) وانفصلت عما كانت* مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه كما ذكره أبو الهيثم من أنه يقال أهللنا شهر كذا أى دخلنا فيه ولبسناه فنحن نزداد كل ليلة لباسا منه إلى مضى نصفه ثم نسلخه عن أنفسنا جزءا فجزءا حتى نسلخه عن أنفسنا كله فينسلخ وأنشد[إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله * كفى قاتلا سلخى الشهور وإهلالى] وتحقيقه أن الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من أجزائه الممتدة من الأيام والشهور والسنين فإذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه وفيه مزيد لطف لما فيه من التلويح بأن تلك الأشهر كانت حرزا لأولئك المعاهدين عن غوائل أيدى المسلمين فنيط قتالهم بزوالها والمراد بها إما ما مر من الأشهر الأربعة فقط ووضع المظهر موضع المضمر ليكون ذريعة إلى وصفها بالحرمة تأكيدا لما ينبىء عنه إباحة السياحة من حرمة التعرض لهم مع ما فيه من مزيد الاعتناء بشأنها أو هى مع ما فهم من قوله تعالى (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) من تتمة مدة بقيت لغير الناكثين فعلى الأول يكون المراد بالمشركين فى قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الناكثين* خاصة فلا يكون قتال الباقين مفهوما من عبارة النص بل من دلالته وعلى الثانى مفهوما من العبارة إلا أنه يكون الانسلاخ وما نيط به من القتال حينئذ شيئا فشيئا لا دفعة واحدة كأنه قيل فإذا تم ميقات كل طائفة فاقتلوهم وحملها على الأشهر المعهودة الدائرة فى كل سنة لا يساعده النظم الكريم وأما أنه يستدعى بقاء حرمة القتال فيها إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها فلا اعتداد به لا لأنها نسخت بقوله تعالى (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) كما توهم فإنه رجم بالغيب لأنه إن أريد به ما فى سورة الأنفال فإنه نزل عقيب غزوة بدر وقد صح ان المراد بالذين كفروا فى قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الخ أبو سفيان وأصحابه وقد أسلم فى أواسط رمضان عام الفتح سنة ثمان وسورة التوبة إنما نزلت فى شوال سنة تسع وإن أريد ما فى سورة البقرة فإنه أيضا نزل قبل الفتح كما يعرب عنه ما قبله من قوله تعالى (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أى من مكة وقد فعل ذلك يوم الفتح فكيف ينسخ به ما ينزل بعده بل لأن انعقاد الإجماع على انتساخها كاف فى الباب من غير حاجة إلى كون سنده منقولا إلينا وقد صح أن النبى صلىاللهعليهوسلم حاصر الطائف لعشر بقين من المحرم (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من* حل وحرم (وَخُذُوهُمْ) أى أيسروهم والأخيذ الأسير (وَاحْصُرُوهُمْ) أى قيدوهم أو امنعوهم من التقلب* فى البلاد. قال ابن عباس رضى الله عنهما حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) * أى كل ممر ومجتاز يجتازون منه فى أسفارهم وانتصابه على الظرفية أى ارصدوهم وارقبوهم حتى لا يمروا به