(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢)
____________________________________
البراءة من جهته تعالى ووصولها إليهم فإن حق الصفات قبل علم المخاطب بثبوتها لموصوفاتها أن تكون أخيارا وحق الأخبار بعد العلم بثبوتها لما هى له أن تكون صفات كما حقق فى موضعه وقرىء من الله بكسر النون على أن الأصل فى تحريك الساكن الكسر ولكن الوجه هو الفتح فى لام التعريف خاصة لكثرة الوقوع والعهد العقد الموثق باليمين والخطاب فى عاهدتم للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من أهل مكة وغيرهم بإذن الله تعالى واتفاق الرسول صلىاللهعليهوسلم فنكثوا إلا بنى ضمرة وبنى كنانة فأمر المسلمون بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهلوا أربعة أشهر ليسيروا أين شاءوا وإنما نسبت البراءة إلى الله ورسوله مع شمولها للمسلمين واشتراكهم فى حكمها ووجوب العمل بموجبها وعلقت المعاهدة بالمسلمين خاصة مع كونها بإذن الله تعالى واتفاق الرسول صلىاللهعليهوسلم للأنباء عن تنجزها وتحتمها من غير توقف على رأى المخاطبين لأنها عبارة عن إنهاء حكم الأمان ورفع الخطر المترتب على العهد السابق عن التعرض للكفرة وذلك منوط بجناب الله عزوجل لأنه أمر كسائر الأوامر الجارية على حسب حكمة تقتضيها وداعية تستدعيها تترتب عليها آثارها من غير توقف على شىء أصلا واشتراك المسلمين فى حكمها ووجوب العمل بموجبها إنما هو على طريقة الامتثال بالأمر لا على أن يكون لهم مدخل فى إتمامها أو فى ترتب أحكامها عليها وأما المعاهدة فحيث كانت عقدا كسائر العقود الشرعية لا تتحصل فى نفسها ولا تترتب عليها أحكامها إلا بمباشرة المتعاقدين على وجوه مخصوصة اعتبرها الشرع لم يتصور صدورها عنه سبحانه وإنما الصادر عنه فى شأنها هو الإذن فيها وإنما الذى يباشرها ويتولى أمرها المسلمون ولا يخفى أن البراءة إنما تتعلق بالعهد لا بالإذن فيه فنسبت كل واحدة منهما إلى من هو أصل فيها على أن فى ذلك تفخيما لشأن البراءة وتهويلا لأمرها وتسجيلا على الكفرة بغاية الذل والهوان ونهاية الخزى والخذلان وتنزيها لساحة السبحان والكبرياء عما يوهم شائبة النقص والنداء تعالى عن ذلك علوا كبيرا وإدراجه صلىاللهعليهوسلم فى النسبة الأولى وإخراجه عن الثانية لتنويه شأنه الرفيع وإجلال قدره المنيع فى كلا المقامين صلىاللهعليهوسلم وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية كأن يقال قد برىء الله ورسوله من الذين أو نحو ذلك للدلالة على دوامها واستمرارها وللتوسل إلى تهويلها بالتنوين التفخيمى كما أشير إليه (فَسِيحُوا) السياحة والسيح الذهاب فى الأرض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من الدلالة على كمال التوسعة* والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة قوله عزوجل (فِي الْأَرْضِ) لقصد التعميم لأقطارها من دار الإسلام وغيرها والمراد إباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم من الاستعداد للحرب أو تحصين الأهل والمال وتحصيل المهرب؟؟؟ أو غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها وتلوين الخطاب بصرفه عن المسلمين وتوجيهه إليهم مع حصول المقصود بصيغة أمر الغائب أيضا للمبالغة فى الإعلام بالإمهال حسبما لمادة تعللهم بالغفلة وقطعا لشأفة اعتذارهم بعدم الاستعداد وإيثار صيغة الأمر مع تسنى إفادة ذلك المعنى بطريق الإخبار أيضا كأن يقال مثلا فلكم أن تسيحوا أو نحو ذلك لإظهار كمال القوة والغلبة وعدم الاكتراث