(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) (٤٥)
____________________________________
لتشريفهم وتفخيم أمر رؤياه (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أى تعلمون عبارة جنس الرؤيا علما مستمرا* وهى الانتقال من الصور الخيالية المشاهدة فى المنام إلى ما هى صور وأمثلة لها من الأمور الآفاقية أو الأنفسية الواقعة فى الخارج من العبور وهو المجاوزة تقول عبرت النهر إذا قطعته وجاوزته ونحوه أولتها أى ذكرت مآلها وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيرا والجمع بين الماضى والمستقبل للدلالة على الاستمرار كما أشير إليه واللام للبيان أو لتقوية العامل المؤخر لرعاية الفواصل أو لتضمين تعبرون معنى فعل متعد باللام كأنه قيل إن كنتم تنتدبون لعبارتها ويجوز أن يكون للرؤيا خبر كان كما يقال فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه وتعبرون خبر آخر (قالُوا) استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال الملأ للملك فقيل قالوا هى (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أى تخاليطها جمع ضغث وهو فى الأصل ما جمع* من أخلاط النبات وحزم ثم استعير لما تجمعه القوة المتخيلة من أحاديث النفس ووساوس الشيطان وتريها فى المنام والأحلام جمع حلم وهى الرؤيا الكاذبة التى لا حقيقة لها والإضافة بمعنى من أى هى أضغاث من أحلام أخرجوها من جنس الرؤيا التى لها عاقبة تؤول إليها ويعتنى بأمرها وجمعوها وهى رؤيا واحدة مبالغة فى وصفها بالبطلان كما فى قولهم فلان يركب الخيل ويلبس العمائم لمن لا يملك إلا فرسا واحدا وعمامة فردة أو لتضمنها أشياء مختلفة من البقرات السبع السمان والسبع العجاف والسنابل السبع الخضر والأخر اليابسات فتأمل حسن موضع الأضغاث مع السنابل فلله در شأن التنزيل (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) * أى المنامات الباطلة التى لا أصل لها (بِعالِمِينَ) لا لأن لها تأويلا ولكن لا نعلمه بل لأنه لا تأويل لها وإنما* التأويل للمنامات الصادقة ويجوز أن يكون ذلك اعترافا منهم بقصور علمهم وأنهم ليسوا بنحارير فى تأويل الأحلام مع أن لها تأويلا كما يشعر به عدولهم عما وقع فى كلام الملك من العبارة المعربة عن مجرد الانتقال من الدال إلى المدلول حيث لم يقولوا بتعبير الأحلام أو عبارتها إلى التأويل المنبىء عن التصرف والتكلف فى ذلك لما بين الآئل والمآل من البعد ويؤيده قوله عزوجل (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) أى من صاحبى يوسف وهو الشرابى (وَادَّكَرَ) بغير المعجمة وهو الفصيح وعن الحسن* بالمعجمة أى تذكر يوسف عليهالسلام وشئونه التى شاهدها ووصيته بتقريب رؤيا الملك وإشكال تأويلها على الملأ (بَعْدَ أُمَّةٍ) أى مدة طويلة وقرىء أمة بالكسر وهى النعمة أى بعد ما أنعم عليه بالنجاة وأمه* أى نسيان والجملة حال من الموصول أو من ضميره فى الصلة وقيل معطوفة على نجا وليس بذاك لأن حق كل من الصفة والصلة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف والموصول عند المخاطب كما عند المتكلم ولذلك قيل إن الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات وأنت تدرى أن تذكره بعد أمة إنما علم بهذه الجملة فلا مجال لنظمه مع نجاته المعلومة قبل فى سلك الصلة (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) أى أخبركم*