(وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (٤٣)
____________________________________
* أى يوسف عليهالسلام (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ) أوثر على صيغة المضارع مبالغة فى الدلالة على تحقق النجاة حسبما يفيده قوله تعالى (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) وهو السر فى إيثار ما عليه النظم الكريم على أن* يقال للذى ظنه ناجيا (مِنْهُمَا) من صاحبيه وإنما ذكر بوصف النجاة تمهيدا لمناط التوصية بالذكر عند الملك وعنوان التقرب المفهوم من التعبير المذكور وإن كان أدخل فى ذلك وأدعى إلى تحقيق ما وصاه به لكنه ليس بوصف فارق يدور عليه الامتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك والظان هو يوسف عليهالسلام لا صاحبه لأن التوصية المذكورة لا تدور على ظن الناجى بل على ظن يوسف وهو بمعنى اليقين كما فى قوله تعالى (ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) فالتعبير بالوحى كما ينبىء عنه قوله تعالى (قُضِيَ الْأَمْرُ) * الخ وقيل هو بمعناه والتعبير بالاجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضا اجتهادى (اذْكُرْنِي) بما أنا عليه من* الحال والصفة (عِنْدَ رَبِّكَ) سيدك وصفنى له بصفتى التى شاهدتها (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) أى أنسى الشرابى بوسوسته وإلقائه فى قلبه أشغالا تعوقه عن الذكر وإلا فالإنساء فى الحقيقة لله عزوجل والفاء للسببية* فإن توصيته عليهالسلام المتضمنة للاستعانة بغيره سبحانه كانت باعثة لما ذكر من الإنساء (ذِكْرَ رَبِّهِ) * أى ذكر الشرابى له عليهالسلام عند الملك والإضافة لأدنى ملابسة أو ذكر إخبار ربه (فَلَبِثَ) أى* يوسف عليهالسلام بسبب ذلك الإنساء أو القول (فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع وأكثر الأقاويل إنه لبث فيه سبع سنين وروى عن النبى صلىاللهعليهوسلم رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد وإن كانت مرخصة لكن اللائق بمناصب الأنبياء عليهمالسلام الأخذ بالعزائم (وَقالَ الْمَلِكُ) أى الريان (إِنِّي أَرى) أى رأيت وإيثار صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية (سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) جمع سمين وسمينة* ككرام فى جمع كريم وكريمة يقال رجال كرام ونسوة كرام (يَأْكُلُهُنَّ) أى أكلهن والعدول إلى المضارع* لاستحضار الصورة تعجيبا والجملة حال من البقرات أو صفة لها (سَبْعٌ عِجافٌ) أى سبع بقرات عجاف وهى جمع عجفاء والقياس عجف لأن فعلاء وأفعل لا يجمع على فعال ولكن عدل به عن القياس حملا لأحد القيضين على الآخر وإنما لم يقل سبع عجاف بالإضافة لأن التمييز موضوع لبيان الجنس والصفة ليست بصالحة لذلك فلا يقال ثلاثة ضخام وأربعة غلاظ وأما قولك ثلاثة فرسان وخمسة ركبان فلجريان الفارس والراكب مجرى الأسماء روى أنه رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وخرج عقيبهن سبع* بقرات عجاف فى غاية الهزال فابتلعت العجاف السمان (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) قد انعقد حبها (وَأُخَرَ يابِساتٍ) أى وسبعا أخر يابسات قد أدركت والتوت على الخضر حتى غلبتها على ما روى ولعل عدم* التعرض لذكره للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) خطاب للأشراف من العلماء والحكماء* (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) هذه أى عبروها وبينوا حكمها وما تؤول إليه من العاقبة والتعبير عن التعبير بالإفتاء