(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (٤٢)
____________________________________
تقضى به قضية العقل أيضا (ذلِكَ) أى تخصيصه تعالى بالعبادة (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الثابت المستقيم الذى* تعاضدت عليه البراهين عقلا ونقلا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن ذلك هو الدين القيم لجهلهم* بتلك البراهين أو لا يعلمون شيئا أصلا فيعبدون أسماء سموها من تلقاء أنفسهم معرضين عن البرهان العقلى والسلطان العقلى وبعد تحقيق الحق ودعوتهما إليه وبيانه لهما مقداره الرفيع ومرتبة علمه الواسع شرع فى تفسير ما استفسراه ولكونه بحثا مغايرا لما سبق فصله عنه بتكرير الخطاب فقال (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الشرابى وإنما لم يعينه ثقة بدلالة التعبير وتوسلا بذلك إلى إبهام أمر صاحبه حذار مشافهته بما يسوءه (فَيَسْقِي رَبَّهُ) أى سيده (خَمْراً) روى أنه عليهالسلام قال له ما رأيت من الكرمة* وحسنها الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه وقرأ عكرمة فيسقى ربه على البناء للمفعول أى يسقى ما يروى به (وَأَمَّا الْآخَرُ) وهو الخباز (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) روى أنه عليهالسلام قال له ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام* تمر ثم تخرج فتقتل (قُضِيَ) أى أتم وأحكم (الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) وهو ما رأياه من الرؤييين* قطعا لا مآله الذى هو عبارة عن نجاة أحدهما وهلاك الآخر كما يوهمه إسناد القضاء إليه إذ الاستفتاء إنما يكون فى الحادثة لا فى حكمها يقال استفتى الفقيه فى الحادثة أى طلب منه بيان حكمها ولا يقال استفتاه فى حكمها وكذا الإفتاء فإنه يقال أفتى فلان فى الواقعة الفلانية بكذا ولا يقال أفتى فى حكمها أو جوابها بكذا ومما هو علم فى ذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) ومعنى استفتائهما فيه طلبهما لتأويله بقولهما نبئنا بتأويله وإنما عبر عن ذلك بالأمر وعن طلب تأويله بالاستفتاء تهويلا لأمره وتفخيما لشأنه إذ الاستفتاء إنما يكون فى النوازل المشكلة الحكم المبهمة الجواب وإيثاره صيغة الاستقبال مع سبق استفتائهما فى ذلك لما أنهما بصدده إلى أن يقضى عليهالسلام من الجواب وطره وإسناد القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله لأنه فى الحقيقة عين ذلك المآل وقد ظهر فى عالم المثال بتلك الصورة وأما توحيده مع تعدد رؤياهما فوارد على حسب ما وحده فى قولهما نبئنا بتأويله لا لأن الأمر ما اتهما به وسجنا لأجله من سم الملك فإنهما لم يستفتيا فيه ولا فيما هو صورته بل فيما هو صورة لمآله وعاقبته فتأمل وإنما أخبرهما عليهالسلام بذلك تحقيقا لتعبيره وتأكيدا له وقيل لما عبر رؤياهما جحدا وقالا ما رأينا شيئا فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما ولعل الجحود من الخباز إذ لا داعى إلى جحود الشرابى إلا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه (وَقالَ)