(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٠)
____________________________________
إرادة السوء ممن هى إلى البحث عن شعبة من شعبه وجعل للسوء أو للأمر المعبر به عن طمعها فى يوسف* عليهالسلام يأبأه الخبر فإن الكيد يستدعى أن يعتبر مع ذلك هنات أخر من قبلها كما أشرنا إليه (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) فإنه ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرا فى النفس. وعن بعض العلماء إنى أخاف من النساء مالا أخاف من الشيطان فإنه تعالى يقول (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) وقال للنساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به الرجال (يُوسُفُ) حذف منه حرف النداء لقربه وكمال* تفطنه للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أى عن هذا الأمر وعن التحدث* به واكتمه فقد ظهر صدقك ونزاهتك (وَاسْتَغْفِرِي) أنت يا هذه (لِذَنْبِكِ) الذى صدر عنك وثبت* عليك (إِنَّكِ كُنْتِ) بسبب ذلك (مِنَ الْخاطِئِينَ) من جملة القوم المعتمدين للذنب أو من جنسهم يقال خطىء إذا أذنب عمدا وهو تعليل للأمر بالاستغفار والتذكير لتغليب الذكور على الإناث وكان العزيز رجلا حليما فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها وقيل كان قليل الغيرة (وَقالَ نِسْوَةٌ) أى جماعة من النساء وكن خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقى كتأنيث اللمة وهى اسم لجماعة النساء والثبة وهى اسم لجماعة* الرجال ولذلك لم يلحق فعله تاء التأنيث (فِي الْمَدِينَةِ) ظرف لقال أى أشعن الأمر فى مصر أو صفة النسوة* (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) أى الملك يردن قطفير وإضافتهن لها إليه بذلك العنوان دون أن يصرحن باسمها أو اسمه ليست لقصد المبالغة فى إشاعة الخبر بحكم أن النفوس إلى سماع أخبار ذوى الأخطار أميل كما قيل إذ* ليس مرادهن تفضيح العزيز بل هى لقصد الإشباع فى لومها بقولهن (تُراوِدُ فَتاها) أى تطالبه بمواقعته* لها وتتمحل فى ذلك وتخادعه (عَنْ نَفْسِهِ) وقيل تطلب منه الفاحشة وإيثارهن لصيغة المضارع للدلالة على دوام المراودة والفتى من الناس الشاب وأصله فتى لقولهم فتيان والفتوة شاذة وجمعه فتية وفتيان ويستعار للمملوك وهو المراد ههنا وفى الحديث لا يقل أحدكم عبدى وأمتى وليقل فتاى وفتاتى وتعبيرهن عن يوسف عليهالسلام بذلك مضافا إليها لا إلى العزيز الذى لا تستلزم الإضافة إليه الهوان بل ربما يشعر بنوع عزة لإبانة ما بينهما من التباين البين الناشىء عن المالكية والمملوكية وكل ذلك لتربية ما مر من المبالغة والإشباع فى اللوم فإن من لا زوج لها من النساء أولها زوج دنىء قد تعذر فى مراودة الأخدان لا سيما إذا كان فيهم علو الجناب وأما التى لها زوج وأى زوج عزيز مصر فمراودتها لغيره لا سيما لعبدها الذى* لا كفاءة بينها وبينه أصلا وتماديها فى ذلك غاية الغى ونهاية الضلال (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أى شق حبه شغاف قلبها وهو حجابه أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب حتى وصل إلى فؤادها وقرىء شعفها بالعين من