(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٩٥)
____________________________________
فيه وابذلوا جهدكم فى مضارتى وإيقاع ما فى نيتكم وإخراج ما فى أمنيتكم من القوة إلى الفعل (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتى حسبما يؤيدنى الله ويوفقنى بأنواع التأييد والتوفيق (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) لما هددهم عليه* السلام بقوله اعملوا على مكانتكم إنى عامل كان مظنة أن يسأل منهم سائل فيقول فماذا يكون بعد ذلك فقيل سوف تعلمون (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) وصف العذاب بالإخزاء تعريضا بما أوعدوه عليهالسلام* به من الرجم فإنه مع كونه عذابا فيه خزى ظاهر حيث لا يكون إلا بجناية عظيمة توجبه (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) * عطف على (مَنْ يَأْتِيهِ) لا على أنه قسيمه بل حيث أوعدوه بالرجم وكذبوه قيل سوف تعلمون من المعذب ومن الكاذب وفيه تعريض بكذبهم فى ادعائهم القوة والقدرة على رجمه عليهالسلام وفى نسبته إلى الضعف والهوان وفى ادعائهم الإبقاء عليه لرعاية جانب الرهط والاختلاف بين المعطوفين بالفعلية والاسمية لأن كذب الكاذب ليس بمرتقب كإتيان العذاب بل إنما المرتقب ظهور الكذب السابق المستمر ومن إما استفهامية معلقة للعلم عن العمل كأنه قيل سوف تعلمون أينا يأتيه عذاب يخزيه وأينا كاذب وإما موصولة أى سوف تعرفون الذى يأتيه عذاب والذى هو كاذب (وَارْتَقِبُوا) وانتظروا مآل ما أقول* (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع وفى زيادة* معكم إظهار منه عليهالسلام لكمال الوثوق بأمره (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أى عذابنا كما ينبىء عنه قوله تعالى (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أو وقته فإن الارتقاب مؤذن بذلك (نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) وهى الإيمان الذى وفقناهم له أو بمرحمة كائنة منا لهم وإنما ذكر بالواو كما فى قصة عاد لما أنه لم يسبقه فيها ذكر وعد يجرى مجرى السبب المقتضى لدخول الفاء فى معلوله كما فى قصتى صالح ولوط فإنه قد سبق هنالك سابقة الوعد بقوله (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) وقوله (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) عدل إليه* عن الضمير تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بأن ما أخذهم إنما أخذهم بسبب ظلمهم الذى فصل فيما سبق فنونه (الصَّيْحَةُ) قيل صاح بهم جبريل عليهالسلام فهلكوا وفى سورة الأعراف (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وفى سورة* العنكبوت (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أى الزلزلة ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء المفضى إليها كما مر فيما قبل (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) ميتين لازمين لأماكنهم لا براح لهم منها ولما لم يجعل متعلق* العلم فى قوله تعالى (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ) الخ نفس مجىء العذاب بل من يجيئه ذلك جعل مجيئه بعد ذلك أمرا مسلم الوقوع غنيا عن الإخبار به حيث جعل شرطا وجعل تنجية شعيب عليهالسلام وإهلاك الكفرة جوابا له ومقصود الإفادة وإنما قدم تنجيته اهتماما بشأنها وإيذانا بسبق الرحمة التى هى مقتضى الربوبية على الغضب الذى يظهر أثره بموجب جرائرهم وجرائمهم (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) أى لم يقيموا