(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) (٦٦)
____________________________________
عن المقاصد بالذات إلى وسائلها مما لا يساعده جلالة شأن التنزيل الكريم (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا تغيير* لأقواله التى من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتقين فيدخل فيها البشارات الواردة ههنا دخولا أوليا ويثبت امتناع الإخلاف فيها ثبوتا قطعيا وعلى تقدير كون المراد بالبشرى الرؤيا الصالحة فالمراد بعدم تبديل كلماته تعالى ليس عدم الخلف بينها وبين نتائجها الدنيوية والأخروية بل عدم الخلف بينها وبين ما دل على ثبوتها ووقوعها فيما سيأتى بطريق الوعد من قوله تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى) فتدبر (ذلِكَ) * إشارة إلى ما ذكر من أن لهم البشرى فى الدارين (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذى لا فوز وراءه وفيه تفسير لما* أبهم فيما سبق وهاتيك الجملة والتى قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرطه أن يكون بعده كلام متصل بما قبله أو هذه تذييل والسابقة اعتراض (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئة عن مقالاتهم الموحشة وتبشير له صلىاللهعليهوسلم بأنه عزوجل ينصره ويعزه عليهم إثر بيان أن له ولأتباعه أمنا من كل محذور وفوزا بكل مطلوب وقرىء ولا يحزنك من أحزنه وهو فى الحقيقة نهى له صلىاللهعليهوسلم عن الحزن كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بتكذيبهم وتشاورهم فى تدبير هلاكك وإبطال أمرك وسائر ما يتفوهون به فى شأنك مما لا خير فيه وإنما وجه النهى إلى قولهم للمبالغة فى نهيه صلىاللهعليهوسلم عن الحزن لما أن النهى عن التأثير نهى عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة وقد يوجه النهى إلى اللازم والمراد هو النهى عن الملزوم كما فى قولك لا أرينك ههنا وتخصيص النهى عن الحزن بالإيراد مع شمول النفى السابق للحزن أيضا لما أنه لم يكن فيه صلىاللهعليهوسلم شائبة خوف حتى ينهى عنه وربما كان يعتريه صلىاللهعليهوسلم فى بعض الأوقات نوع حزن فسلى عن ذلك وقوله تعالى (إِنَّ الْعِزَّةَ) تعليل للنهى على طريقة* الاستئناف أى الغلبة والقهر (لِلَّهِ جَمِيعاً) أى فى ملكته وسلطانه لا يملك أحد شيئا منها أصلا لا هم ولا* غيرهم فهو يقهرهم ويعصمك منهم وينصرك عليهم وقد كان كذلك فهى من جملة المبشرات العاجلة وقرىء بفتح أن على صريح التعليل أى لأن العزة لله (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع ما يقولون فى حقك ويعلم* ما يعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أى العقلاء من الملائكة والثقلين وتخصيصهم بالذكر للإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيدا له سبحانه مقهورين تحت قهره وملكته فما عداهم من الموجودات أولى بذلك وهو مع ما فيه من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة بالله تعالى الموجب لسلوته صلىاللهعليهوسلم وعدم مبالاته بالمشركين وبمقالاتهم تمهيد لما لحق من قوله تعالى (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) وبرهان على بطلان*