ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) تقرير للإنكار وتأكيد له من الحيثيتين المذكورتين غير سبكه عن سبك ما قبله مع اتحادهما فى المقصود إبانة لما بينهما من التفاوت فإن ما يتعلق بذواتهم من الإحياء والإماتة والحشر أدخل فى الحث على الإيمان والكف عن الكفر مما يتعلق بمعايشهم وما يجرى مجراها وفى جعل الضمير مبتدأ والموصول خبرا من الدلالة على الجلالة ما لا يخفى وتقديم الظرف على المفعول الصريح لتعجيل المسرة ببيان كونه نافعا للمخاطبين وللتشويق إليه كما سلف أى خلق لأجلكم جميع ما فى الأرض من الموجودات لتنتفعوا بها فى أمور دنياكم بالذات أو بالواسطة وأمور دينكم بالاستدلال بها على شئون الصانع تعالى شأنه والاستشهاد بكل واحد منها على ما يلائمه من لذات الآخرة وآلامها وما يعم جميع ما فى الأرض لا نفسها إلا أن يراد بها جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو نعم يعم كل جزء من أجزائها فإنه من جملة ما فيها ضرورة وجود الجزء فى الكل وجميعا حال من الموصول الثانى مؤكدة لما فيه من العموم فإن كل فرد من أفراد ما فى الأرض بل كل جزء من أجزاء العالم له مدخل فى استمراره على ما هو عليه من النظام اللائق الذى عليه يدور انتظام مصالح الناس أما من جهة المعاش فظاهر وأما من جهة الدين فلما أنه ليس فى العالم شىء مما يتعلق به النظر وما لا يتعلق به إلا وهو دليل على القادر الحكيم جل جلاله كما مر فى تفسير قوله تعالى (رَبِّ الْعالَمِينَ) وإن لم يستدل به أحد بالفعل. (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أى قصد إليها بإرادته ومشيئته قصدا سويا بلا صارف يلويه ولا عاطف يثنيه من إرادة خلق شىء آخر فى تضاعيف خلقها أو غير ذلك مأخوذ من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل وتخصيصه بالذكر ههنا إما لعدم تحققه فى خلق السفليات لما روى من تخلل خلق السموات بين خلق الأرض ودحوها عن الحسن رضى الله عنه خلق الله تعالى الأرض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان يلتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر فى موضعها وبسط منها الأرضين وذلك قوله تعالى (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) وإما لإظهار كمال العناية بإبداع العلويات وقيل استوى استولى وملك والأول هو الظاهر وكلمة ثم للإيذان بما فيه من المزية والفضل على خلق السفليات لا للتراخى الزمانى فإن تقدمه على خلق ما فى الأرض المتأخر عن دحوها مما لا مرية فيه لقوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ولما روى عن الحسن والمراد بالسماء إما الأجرام العلوية فإن القصد إليها بالإرادة لا يستدعى سابقة الوجود وإما جهات العلو. (فَسَوَّاهُنَّ) أى أتمهن وقومهن وخلقهن ابتداء مصونة عن العوج والفطور لا أنه تعالى سواهن بعد أن لم يكن كذلك ولا يخفى ما فى مقاربة التسوية والاستواء من حسن الموقع وفيه إشارة إلى أن لا تغيير فيهن بالنمو والذبول كما فى السفليات والضمير على الوجه الأول للسماء فإنها فى معنى الجنس وقيل هى جمع سماءة أو سماوة وعلى الوجه الثانى مهم يفسره قوله تعالى. (سَبْعَ سَماواتٍ) كما فى قولهم ربه رجلا وهو على الوجه الأول بدل من الضمير وتأخير ذكر هذا الصنع البديع عن ذكر خلق ما فى الأرض مع كونه أقوى منه فى الدلالة على كمال القدرة القاهرة كما نبه عليه لما أن المنافع المنوطة بما فى الأرض أكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهر وإن كان فى إبداع العلويات أيضا من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يحصى هذا ما قالوا وسيأتى فى حم السجدة مزيد تحقيق وتفصيل بإذن الله تعالى. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) اعتراض تذييلى مقرر لما قبله