(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٩)
____________________________________
قبائحهم السابقة لتزايد السخط الموجب للمشافهة بالتوبيخ والتقريع والاستفهام إنكارى لا بمعنى إنكار الوقوع كما فى قوله تعالى (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) الخ بل بمعنى إنكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه وفيه من المبالغة ما ليس فى توجيه الإنكار إلى نفس الكفر بأن يقال أتكفرون لأن كل موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال قطعا فإذا انتفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهانى وقوله عزوجل. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) إلى آخر الآية حال من ضمير الخطاب فى تكفرون مؤكدة للإنكار والاستبعاد بما عدد فيها من الشئون العظيمة الداعية إلى الإيمان الرادعة عن الكفر من حيث كونها نعمة عامة ومن حيث دلالتها على قدرة تامة كقوله تعالى (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) وكيف منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه وبالحال عند الأخفش أى فى أى حال أو على أى حال تكفرون به تعالى والحال إنكم كنتم أمواتا أى أجساما لا حياة لها عناصر وأغذية ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة والأموات جمع ميت كأقوال جمع قيل وإطلاقها على تلك الأجسام باعتبار عدم الحياة مطلقا كما فى قوله تعالى (بَلْدَةً مَيْتاً) وقوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ). (فَأَحْياكُمْ) بنفخ الأرواح فيكم والفاء للدلالة على التعقيب فإن الإحياء حاصل إثر كونهم أمواتا وإن توارد عليهم فى تلك الحالة أطوار مترتبة بعضها متراخ عن بعض كما أشير إليه آنفا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) أى عند انقضاء آجالكم وكون الإماتة من دلائل القدرة ظاهر وأما كونها من النعم فلكونها وسيلة إلى الحياة الثانية التى هى الحيوان والنعمة العظمى والتراخى المستفاد من كلمة ثم بالنسبة إلى زمان الإحياء دون زمان الحياة فإن زمان الإماتة غير متراخ عنه. (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بالنشور يوم ينفخ فى الصور أو للسؤال فى القبور وأياما كان فهو متراخ من زمان الإماتة وإن كان أثر زمان الموت المستمر. (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد الحشر لا إلى غيره فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر أو إليه تنشرون من قبوركم للحساب وهذه الأفعال وإن كان بعضها ماضيا وبعضها مستقبلا لا يتسنى مقارنة شىء منها لما هو حال منه فى الزمان لكن الحال فى الحقيقة هو العلم المتعلق بها كأنه قيل كيف تكفرون بالله وأنتم عالمون بهذه الأحوال المانعة منه ومآله التعجيب من وقوعه مع تحقق ما ينفيه وإنما نظم ما ينكرونه من الإحياء الأخير والرجع فى سلك ما يعترفون به من الإحياء الأول والإماتة تنزيلا لتمكنهم من العلم لما عاينوه من الدلائل القاطعة منزلة العلم بذلك بالفعل فى إزاحة العلل والأعذار والحياة حقيقة فى القوة الحساسة أو ما يقتضيها وبها سمى الحيوان حيوانا مجاز فى القوة النامية لكونها من طلائعها وكذا فيما يخص الإنسان من العقل والعلم والإيمان من حيث أنه كمالها وغايتها والموت بإزائها يطلق على ما يقابل كل مرتبة من تلك المراتب قال تعالى (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) وقال تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وقال تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وعند وصفه تعالى بها يراد صحة اتصافه تعالى بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا أو معنى قائم بذاته تعالى مقتض لذلك وقرىء ترجعون بفتح التاء والأول هو الأليق بالمقام (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ