(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٢٨) ٢ البقرة
____________________________________
وعالم يغترف منه الناس تنبيها على أنه أسد فى شجاعته وبحرفى إفاضته والعهد الموثق يقال عهد إليه كذا إذا وصاه به ووثقه عليه والمراد ههنا إما العهد المأخوذ بالعقل وهو الحجة القائمة على عباده الدالة على وجوده ووحدته وصدق رسوله عليهالسلام وبه أول قوله تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) أو المعنى الظاهر منه أو المأخوذ من جهة الرسل عليهمالسلام على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدق بالمعجزات صدقوه واتبعوه ولم يكتموا أمره وذكره فى الكتب المتقدمة ولم يخالفوا حكمه كما ينبئ عنه قوله عزوجل (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) ونظائره وقيل عهود الله تعالى ثلاثة الأول ما أخذه على جميع ذرية آدم عليهالسلام بأن يقروا على ربوبيته والثانى ما أخذه على الأنبياء عليهمالسلام بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه والثالث ما أخذه على العلماء بأن يبينوا الحق ولا يكتموه. (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) الميثاق إما اسم لما يقع به الوثاقة والإحكام وإما مصدر بمعنى التوثقة كالميعاد بمعنى الوعد فعلى الأول إن رجع الضمير إلى العهد كان المراد بالميثاق ما وثقوه به من القبول والالتزام وإن رجع إلى لفظ الجلالة يراد به آياته وكتبه وإنذار رسله عليهمالسلام والمضاف محذوف على الوجهين أى من بعد تحقق ميثاقه وعلى الثانى إن رجع الضمير إلى العهد والميثاق مصدر من المبنى للفاعل فالمعنى من بعد أن وثقوه بالقبول والالتزام أو من بعد أن وثقه الله عزوجل بإنزال الكتب وإنذار الرسل وإن كان مصدرا من المبنى للمفعول فالمعنى من بعد كونه موثقا إما بتوثيقهم إياه بالقبول وإما بتوثيقه تعالى إياه بإنزال الكتب وإنذار الرسل. (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يحتمل كل قطيعة لا يرضى بها الله سبحانه وتعالى كقطع الرحم وموالاة المؤمنين والتفرقة بين الأنبياء عليهمالسلام والكتب فى التصديق وترك الجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطى شر فإنه يقطع ما بين الله تعالى وبين العبد من الوصلة التى هى المقصودة بالذات من كل وصل وفصل والأمر هو القول الطالب للفعل مع العلو وقيل بالاستعلاء وبه سمى الأمر الذى هو واحد الأمور تسمية للمفعول بالمصدر فإنه مما يؤمر به كما يقال له شأن وهو القصد والطلب لما أنه أثر للشأن وكذا يقال له شىء وهو مصدر شاء لما أنه أثر للمشيئة ومحل أن يوصل إما النصب على أنه بدل من الموصول أو من ضميره والثانى أولى لفظا ومعنى. (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمنع عن الإيمان والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التى عليها يدور فلك نظام العالم وصلاحه. (أُولئِكَ) إشارة إلى الفاسقين باعتبار اتصافهم بما فصل من الصفات القبيحة وفيه إيذان بأنهم متميزون بها أكمل تميز ومنتظمون بسبب ذلك فى سلك الأمور المحسوسة وما فيه من معنى البعد للدلالة على بعد منزلتهم فى الفساد. (هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا بإهمال العقل عن النظر واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية واستبدال الإنكار والطعن فى الآيات بالإيمان بها والتأمل فى حقائقها والاقتباس من أنوارها واشتراء النقض بالوفاء والفساد بالصلاح والقطيعة بالصلة والعقاب بالثواب. (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) التفات إلى خطاب المذكورين مبنى على إيراد ما عدد من