على المدح والتعظيم بتقدير المبتدأ قال ابن مالك التزم حذف الفعل فى المنصوب على المدح إشعارا بأنه إنشاء كما فى المنادى وحذف المبتدأ فى المرفوع إجراء للوجهين على سنن واحد وأما كونه مبتدأ خبره فلا تجعلوا كما قيل فيستدعى أن يكون مناط النهى ما فى حين الصلة فقط من غير أن يكون لما سلف من خلقهم وخلق من قبلهم مدخل فى ذلك مع كونه أعظم شأنا وجعل بمعنى صير والمنصوبان بعده مفعولاه وقيل هو بمعنى خلق وانتصاب الثانى على الحالية والظرف متعلق به على التقديرين وتقديمه على المفعول الصريح لتعجيل المسرة ببيان كون ما يعقبه من منافع المخاطبين وللتشويق إليه لأن النفس عند تأخير ما حقه التقديم لا سيما بعد الإشعار بمنفعته تبقى مترقبة له فيتمكن لديها عند وروده عليها فضل تمكن أو لما فى المؤخر وما عطف عليه من نوع طول فلو قدم لفات تجاوب أطراف النظم الكريم ومعنى جعلها فراشا جعل بعضها بارزا من الماء مع اقتضاء طبعها الرسوب وجعلها متوسطة بين الصلابة واللين صالحة للقعود عليها والنوم فيها كالبساط المفروش وليس من ضرورة ذلك كونها سطحا حقيقيا فإن كرية شكلها مع عظم جرمها مصححة لافتراشها وقرىء بساطا ومهادا. (وَالسَّماءَ بِناءً) عطف على المفعولين السابقين وتقديم حال الأرض لما أن احتياجهم إليها وانتفاعهم بها أكثر وأظهر أى جعلها قبة مضروبة عليكم والسماء اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد أو جمع سماوة أو سماءة والبناء فى الأصل مصدر سمى به المبنى بيتا كان أو قبة أو خباء ومنه قولهم بنى على امرأته لما أنهم كانوا إذا تزوجوا امرأة ضربوا عليها خباء جديدا. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) عطف على جعل أى أنزل من جهتها أو منها إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض كما روى ذلك عنه عليه الصلاة والسلام أو المراد بالسماء جهة العلو كما ينبئ عنه الإظهار فى موضع الإضمار وهو على الأولين لزيادة التقرير ومن لابتداء الغاية متعلقة بأنزل أو بمحذوف وقع حالا من المفعول أى كائنا من السماء قدم عليه لكونه نكرة وأما تقديم الظرف على الوجه الأول مع أن حقه التأخير عن المفعول الصريح فإما لأن السماء أصله ومبدؤه وإما لما مر من التشويق إليه مع ما فيه من مزيد انتظام بينه وبين قوله تعالى (فَأَخْرَجَ بِهِ) أى بسبب الماء (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) وذلك بأن أودع فى الماء قوة فاعلة وفى الأرض قوة منفعلة فتولد من تفاعلهما أصناف الثمار أو بأن أجرى عادته بإفاضة صور الثمار وكيفيتها المتخالفة على المادة الممتزجة منها وإن كان المؤثر فى الحقيقة قدرته تعالى ومشيئته فإنه تعالى قادر على أن يوجد جميع الأشياء بلا مباد ومواد كما أبدع نفوس المبادى والأسباب لكن له عزوجل فى إنشائها متقلبة فى الأحوال ومتبدلة فى الأطوار من بدائع حكم باهرة تجدد لأولى الأبصار عبرا ومزيد طمأنينة إلى عظيم قدرته ولطيف حكمته ما ليس فى إبداعها بغتة ومن للتبعيض لقوله تعالى (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ) ولوقوعها بين منكرين أعنى ماء ورزقا كأنه قيل وأنزل من السماء بعض الماء فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم وهكذا الواقع إذ لم ينزل من السماء كل الماء ولا أخرج من الأرض كل الثمرات ولا جعل كل المرزوق ثمارا أو للتبيين ورزقا مفعول بمعنى المرزوق ومن الثمرات بيان له أو حال منه كقولك أنفقت من الدراهم ألفا ويجوز أن يكون من الثمرات مفعولا ورزقا حالا منه أو مصدرا من أخرج لأنه بمعنى رزق وإنما شاع ورود الثمرات دون الثمار مع أن الموضع موضع