(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٠)
____________________________________
العيمة والصاعقة قصفة رعد هائل تنقض معها بثقة نار لا تمر بشىء إلا أتت عليه من الصعق وهو شدة الصوت وبناؤها إما أن يكون صفة لقصفة الرعد أو للرعد والتاء للمبالغة كما فى الرواية أو مصدرا كالعافية وقد تطلق على كل هائل مسموع أو مشاهد يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق أو بشدة الصوت وسد الآذان إنما يفيد على التقدير الثانى دون الأول وقرىء من الصواقع وليس ذلك بقلب من الصواعق لاستواء كلا البناءين فى التصرف يقال صقع الديك وخطيب مصقع أى مجهر بخطبته (حَذَرَ الْمَوْتِ) منصوب بيجعلون على العلة وإن كان معرفة بالإضافة كقوله[وأغفر عوراء الكريم ادخاره واصفح عن شتم اللئيم تكرما] ولا ضير فى تعدد المفعول له فإن الفعل يعلل بعلل شتى وقيل هو نصب على المصدرية أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت والحذر والحذار هو شدة الخوف وقرىء حذار الموت والموت زوال الحياة وقيل عرض يضادها لقوله تعالى (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) وردبأن الخلق بمعنى التقدير والأعدام مقدرة (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أى لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط شبه شمول قدرته تعالى لهم وانطواء ملكوته عليهم بإحاطة المحيط بما أحاط به فى استحالة الفوت أو شبه الهيئة المنتزعة من شئونه تعالى معهم بالهيئة المنتزعة من أحوال المحيط مع المحاط فالاستعارة المبنية على التشبيه الأول استعارة تبعية فى الصفة متفرعة على ما فى مصدرها من الاستعارة والمبنية على الثانى تمثيلية قد اقتصر من طرف المشبه به على ما هو العمدة فى انتزاع الهيئة المشبه بها أعنى الإحاطة والباقى منوى بألفاظ متخيلة بها يحصل التركيب المعتبر فى التمثيل كما مر تحريره فى قوله عزوجل (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) والجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغنى عنهم شيئا فإن القدر لا يدافعه الحذر والحيل لا ترد بأس الله عزوجل وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيب الإيذان بأن ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم على منهاج قوله تعالى (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) فإن الإهلاك الناشىء من السخط أشد وقيل هذا الاعتراض من جملة أحوال المشبه على أن المراد بالكافرين المنافقون قد دل به على أنه لا مدفع لهم من عذاب الله تعالى فى الدنيا والآخرة وإنما وسط بين أحوال المشبه مع أن القياس تقديمه أو تأخيره لإظهار كمال العناية وفرط الاهتمام بشأن المشبه (يَكادُ الْبَرْقُ) استئناف آخر وقع جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل يكاد ذلك (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) أى يختلسها ويستلها بسرعة وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لتآخذ أسبابه وتعاضد مباديه لكنه لم يوجد بعد لفقد شرط أو لعروض مانع ولا يكون خبرها إلا مضارعا عاريا عن كلمة أن وشذ مجيئه اسما صريحا كما فى قوله [فأبت إلى فهم وما كدت آيبا] وكذا مجيئه مع أن حملا لها على عسى كما فى مثل قول رؤبة [قد كاد من طول البلى أن يمحصا] كما تحمل