الثانية أعنى الصوب المنبئ عن شدة الانسكاب ومن جهة بنائه الدال على الثبات وقرىء أو كصائب. (مِنَ السَّماءِ) متعلق بصيب أو بمحذوف وقع صفة له والمراد بالسماء هذه المظلة وهى فى الأصل كل ما علاك من سقف ونحوه وعن الحسن أنها موج مكفوف أى ممنوع بقدرة الله عزوجل من السيلان وتعريفها للإيذان بأن انبعاث الصيب ليس من أفق واحد فإن كل أفق من آفاقها أى كل ما يحيط به كل أفق منها سماء على حدة قال ومن بعد أرض بيننا وسماء كما أن كل طبقة من طباقها سماء قال تعالى (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) والمعنى أنه صيب عام نازل من غمام مطبق آخذ بالآفاق وقيل المراد بالسماء السحاب واللام لتعريف الماهية. (فِيهِ ظُلُماتٌ) أى أنواع منها وهى ظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر وظلمة إظلال ما يلزمه من الغمام الأسحم المطبق الآخذ بالآفاق مع ظلمة الليل وجعله محلالها مع أن بعضها لغيره كظلمتى الغمام والليل لما أنهما جعلتا من توابع ظلمته مبالغة فى شدته وتهويلا لأمره وإيذانا بأنه من الشدة والهول بحيث تغمر ظلمته ظلمات الليل والغمام وهو السر فى عدم جعل الظلمات هو الأصل المستتبع للبواقى مع ظهور ظرفيتها للكل إذ لو قيل أو كظلمات فيها صيب الخ لما أفاد أن للصيب ظلمة خاصة به فضلا عن كونها غالبة على غيرها. (وَرَعْدٌ) وهو صوت يسمع من السحاب والمشهور أنه يحدث من اصطكاك أجرام السحاب بعضها ببعض أو من انقلاع بعضها عن بعض عند اضطرابها بسوق الرياح إياه سوقا عنيفا. (وَبَرْقٌ) وهو ما يلمع من السحاب من برق الشىء بريقا أى لمع وكلاهما فى الأصل مصدر ولذلك لم يجمعا وكونهما فى الصيب باعتبار كونهما فى أعلاه ومصبه ووصول أثرهما إليه وكونهما فى الظلمات الكائنة فيه والتنوين فى الكل للتفخيم والتهويل كأنه قيل فيه ظلمات شديدة داجية ورعد قاصف وبرق خاطف وارتفاع الجميع بالظرف على الفاعلية لتحقق شرط العمل بالاتفاق وقيل بالابتداء والجملة إما صفة لصيب أو حال منه لتخصصه بالصفة أو بالعمل فيما بعده من الجار أو من المستكن فى الظرف الأول على تقدير كونه صفة لصيب والضمائر فى قوله عزوجل. (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) للمضاف الذى أقيم مقامه المضاف إليه فإن معناه باق وإن حذف لفظه تعويلا على الدليل كما فى قوله تعالى (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) فإن الضمير للأهل المدلول عليه بما قام مقامه من القرية قال حسان رضى الله عنه[يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل] فإن تذكير الضمير المستكن فى يصفق لرجوعه إلى الماء المضاف إلى بردى وإلا لأنث حتما وإيثارا لجعل المنبئ عن دوام الملابسة واستمرار الاستقرار على الإدخال المفيد لمجرد الانتقال من الخارج إلى الداخل للمبالغة فى بيان سد المسامع باعتبار الزمان كما أن إيراد الأصابع بدل الأنامل للإشباع فى بيان سدها باعتبار الذات كأنهم سدوها بحملتها لا بأناملها فحسب كما هو المعتاد ويجوز أن يكون هذا إيماء إلى كمال حيرتهم وفرط دهشتهم وبلوغهم إلى حيث لا يهتدون إلى استعمال الجوارح على النهج المعتاد وكذا الحال فى عدم تعيين الأصبع المعتاد أعنى السبابة وقيل ذلك لرعاية الأدب والجملة استئناف لا محل لها من الإعراب مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل عند بيان أحوالهم الهائلة فماذا يصنعون فى تضاعيف تلك الشدة فقيل يجعلون الخ وقوله تعالى (مِنَ الصَّواعِقِ) متعلق بيجعلون أى من أجل الصواعق المقارنة للرعد من قولهم سقاه من