(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(١٨)
____________________________________
ما بالهم أشبهت حالهم حال مستو قد انطفأت ناره أو بدله من جملة التمثيل على وجه البيان والضمير على الوجهين للمنافقين والجواب محذوف كما فى قوله تعالى فلما ذهبوا به للإيجاز والأمن من الإلباس كأنه قيل فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا فى الظلمات خابطين متحيرين خائبين بعد الكدح فى إحيائها وإسناد. الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى وإما لأن الانطفاء حصل بسبب خفى أو أمر سماوى كريح أو مطر وإما للمبالغة كما يؤذن به تعدية الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والإمساك يقال ذهب السلطان بماله إذا أخذه وما أخذه الله عزوجل فأمسكه فلا مرسل له من بعده ولذلك عدل عن الضوء الذى هو مقتضى الظاهر إلى النور لأن ذهاب الضوء قد يجامع بقاء النور فى الجملة لعدم استلزام عدم القوى لعدم الضعيف والمراد إزالته بالكلية كما يفصح عنه قوله تعالى. (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فإن الظلمة التى هى عدم النور وانطماسه بالمرة لا سيما إذا كانت متضاعفة متراكمة متراكبا بعضها على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمى وما بعدها من قوله تعالى (لا يُبْصِرُونَ) لا يتحقق إلا بعد أن لا يبقى من النور عين ولا أثر وإما لأن المراد بالنور ما لا يرضى به الله تعالى من النار المجازية التى هى نار الفتنة والفساد كما فى قوله تعالى (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) ووصفها بإضاءة ما حول المستوقد من باب الترشيح أو النار الحقيقية التى يوقدها الغواة ليتوصلوا بها إلى بعض المعاصى ويهتدوا بها فى طرق العيث والفساد فأطفأها الله تعالى وخيب آمالهم وترك فى الأصل بمعنى طرح وخلى وله مفعول واحد فضمن معنى التصيير فجرى مجرى أفعال القلوب قال[فتركته جزر السباع ينشن يقضمن حسن بنانه والمعصم] ه والظلمة مأخوذة من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أى ما منعك لأنها تسد البصر وتمنعه من الرؤية وقرىء فى ظلمات بسكون اللام وفى ظلمة بالتوحيد ومفعول لا يبصرون من قبيل المطروح كأن الفعل غير متعد والمعنى أن حالهم العجيبة التى هى اشتراؤهم الضلالة التى هى عبارة عن ظلمتى الكفر والنفاق المستتبعين لظلمة سخط الله تعالى وظلمة يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وظلمة العقاب السرمدى بالهدى الذى هو النور الفطرى المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذى كانوا حصلوه من التوراة حسبما ذكر كحال من استوقد نارا عظيمة حتى كاد ينتفع بها فأطفأها الله تعالى وتركه فى ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار. (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أخبار لمبتدأ محذوف هو ضمير المنافقين أو خبر واحد بالتأويل المشهور كما فى قولهم هذا حلو حامض والصمم آفة مانعة من السماع وأصله الصلابة واكتناز الأجزاء ومنه الحجر الأصم والقناة الصماء وصمام القارورة سدادها سمى به فقدان حاسة السمع لما أن سببه اكتناز باطن الصماخ وانسداد منافذه بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه والبكم الخرس والعمى عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وصفوا بذلك مع سلامة مشاعرهم المعدودة لما أنهم حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من الآيات والذكر الحكيم وأبوا أن يتلقوها بالقبول وينطقوا بها ألسنتهم ولم يجتلوا ما شاهدوا من المعجزات الظاهرة على يدى رسول