(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)(١٧)
____________________________________
المذكور والأولى عطفها على اشتروا الخ. (مَثَلُهُمْ) زيادة كشف لحالهم وتصوير لهاغب تصويرها بصورة ما يؤدى إلى الخسار بحسب المآل بصورة ما يفضى إلى الخسار من حيث النفس تهويلا لها وإبانة لفظاعتها فإن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبى وقمع سورة الجامح الأبى كيف لا وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية وإبراز لها فى معرض المحسوسات الجلية وإبداء للمنكر فى صورة المعروف وإظهار للوحشى فى هيئة المألوف والمثل فى الأصل بمعنى المثل والنظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم أطلق على القول السائر الذى يمثل مضربه بمورده وحيث لم يكن ذلك إلا قولا بديعا فيه غرابة صيرته جديرا بالتسيير فى البلاد وخليقا بالقبول فيما بين كل حاضر وباد استعير لكل حال أو صفة أو قصة لها شأن عجيب وخطر غريب من غير أن يلاحظ بينها وبين شىء آخر تشبيه ومنه قوله عزوجل (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أى الوصف الذى له شأن عظيم وخطر جليل وقوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أى قصتها العجيبة الشأن. (كَمَثَلِ الَّذِي) أى الذين كما فى قوله تعالى (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) خلا أنه وحد الضمير فى قوله تعالى. (اسْتَوْقَدَ ناراً) نظرا إلى الصورة وإنما جاز ذلك مع عدم جواز وضع القائم مقام القائمين لأن المقصود بالوصف هى الجملة الواقعة صلة له دون نفسه بل إنما هو وصلة لوصف المعارف بها ولأنه حقيق بالتخفيف لاستطالته بصلته ولذلك بولغ فيه فحذف ياؤه ثم كسرته ثم اقتصر على اللام فى أسماء الفاعلين والمفعولين ولأنه ليس باسم تام بل هو كجزئه فحقه أن لا يجمع ويستوى فيه الواحد والمتعدد كما هو شأن أخواته وليس الذين جمعه المصحح بل النون فيه مزيدة للدلالة على زيادة المعنى ولذلك جاء بالياء أبدا على اللغة الفصيحة أو قصد به جنس المستوقد أو الفوج أو الفريق المستوقد والنار جوهر لطيف مضىء حار محرق واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا واستيقادها طلب وقودها أى سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم. (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) الإضاءة فرط الإنارة كما يعرب عنه قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) وتجىء متعدية ولازمة والفاء للدلالة على ترتبها على الاستيقاد أى فلما أضاءت النار ما حول المستوقد أو فلما أضاء ما حوله والتأنيث لكونه عبارة عن الأماكن والأشياء أو أضاءت النار نفسها فيما حوله على أن ذلك ظرف لإشراق النار المنزل منزلتها لا لنفسها أو ما مزيدة وحوله ظرف وتأليف الحول للدوران وقيل للعام حول لأنه يدور. (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) النور ضوء كل نير واشتقاقه من النار والضمير للذى والجمع باعتبار المعنى أى أطفأ الله نارهم التى هى مدار نورهم وإنما علق الإذهاب بالنور دون نفس النار لأنه المقصود بالاستيقاد لا الاستدفاء ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى (فَلَمَّا أَضاءَتْ) حيث لم يقل فلما شب ضرامها أو نحو ذلك وهو جواب لما أو استئناف أجيب به عن سؤال سائل يقول