(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٥)
____________________________________
كوننا معكم بل يؤكده وقد ضمنوا جوابهم أنهم يهينون المؤمنين ويعدون ذلك نصرة لدينهم أو تأكيد لما قبله فإن المستهزئ بالشىء مصر على خلافه أو بدل منه لأن من حقر الاسلام فقد عظم الكفر والاستهزاء بالشىء السخرية منه يقال هزأت واستهزأت بمعنى وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على مكانه وتهزأ به ناقته أى تسرع به وتخف. (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أى يجازيهم على استهزائهم سمى جزاؤه باسمه كما سمى جزاء السيئة سيئة إما للمشاكلة فى اللفظ أو المقارنة فى الوجود أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذى هو لازم الاستهزاء أو يعاملهم معاملة المستهزئ بهم أما فى الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالإمهال والزيادة فى النعمة على التمادى فى الطغيان وأما فى الآخرة فبما يروى أنه يفتح لهم باب إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب وذلك قوله تعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) وإنما استؤنف للإيذان بأنهم قد بلغوا فى المبالغة فى استهزاء المؤمنين إلى غاية ظهرت شناعته عند السامعين وتعاظم ذلك عليهم حتى اضطرهم إلى أن يقولوا ما مصير أمر هؤلاء وما عاقبة حالهم وفيه أنه تعالى هو الذى يتولى أمرهم ولا يحوجهم إلى المعارضة بالمثل ويستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذى ليس استهزاؤهم عنده من باب الاستهزاء حيث ينزل بهم من النكال ويحل عليهم من الذل والهوان ما لا يوصف وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على التجدد والاستمرار كما يعرب عنه قوله عز قائلا (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) وما كانوا خالين فى أكثر الأوقات من تهتك أستار وتكشف أسرار ونزول فى شأنهم واستشعار حذر من ذلك كما أنبأ عنه قوله عزوجل (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ). (وَيَمُدُّهُمْ) أى يزيدهم ويقويهم من مدا لجيش وأمده إذا زاده وقواه ومنه مددت الدواة والسراج إذا أصلحتهما بالحبر والزيت وإيثاره على يزيدهم للرمز إلى أن ذلك منوط بسوء اختيارهم لما أنه إنما يتحقق عند الاستمداد وما يجرى مجراه من الحاجة الداعية إليه كما فى الأمثلة المذكورة وقرىء يمدهم من الإمداد وهو صريح فى أن القراءة المشهورة ليست من المد فى العمر على أنه يستعمل باللام كالإملاء قال تعالى (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) وحذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير خلاف الأصل لايصار إليه إلا بدليل. (فِي طُغْيانِهِمْ) متعلق بيمدهم والطغيان مجاوزة الحد فى كل أمر والمراد إفراطهم فى العتو وغلوهم فى الكفر وقرىء بكسر الطاء وهى لغة فيه كلقيان لغة فى لقيان وفى إضافته إليهم إيذان باختصاصه بهم وتأييد لما أشير إليه من ترتب المد على سوء اختيارهم. (يَعْمَهُونَ) حال من الضمير المنصوب أو المجرور لكون المضاف مصدرا فهو مرفوع حكما والعمه فى البصيرة كالعمى فى البصر وهو التحير والتردد بحيث لا يدرى أين يتوجه وإسناد هذا المد إلى الله تعالى مع إسناده فى قوله تعالى (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) محقق لقاعدة أهل الحق من أن جميع الأشياء مستند من حيث الخلق إليه سبحانه وإن كانت أفعال العباد من حيث الكسب مستندة إليهم والمعتزلة لما تعذر عليهم إجراء النظم الكريم على