(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١٢٠)
____________________________________
وأكثر أهل التفسير هم مشركوا العرب لقوله تعالى (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) وقالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) أى هلا يكلمنا بلا واسطة أمرا ونهيا كما يكلم الملائكة أو هلا يكلمنا تنصيصا على نبوتك (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) حجة تدل على صدقك بلغوا من العتو والاستكبار إلى حيث أملوا نيل مرتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول والملك ومن العناد والمكابرة إلى حيث لم يعدوا ما آتاهم من البينات الباهرة التى تخر لها صم الجبال من قبيل الآيات قاتلهم الله أنى يؤفكون (كَذلِكَ) مثل ذلك القول الشنيع الصادر عن العناد والفساد (قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الماضية (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) هذا الباطل الشنيع فقالوا أرنا الله جهرة وقالوا لن نصبر على طعام واحد الآية وقالوا هل يستطيع ربك الخ وقالوا اجعل لنا إلها الخ (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أى قلوب هؤلاء وأولئك فى العمى والعناد وإلا لما تشابهت أقاويلهم الباطلة (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) أى نزلناها بينة بأن جعلناها كذلك فى أنفسها كما فى قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل لا أنا بيناها بعد أن لم تكن بينة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أى يطلبون اليقين ويوقنون بالحقائق لا يعتريهم شبهة ولا ريبة وهذا رد لطلبهم الآية وفى تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين المفصح عن كمال التوضيح مكان الإتيان الذى طلبوه ما لا يخفى من الجزالة والمعنى أنهم اقترحوا آية فذة ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق واليقين وإنما لم يتعرض لرد قولهم لو لا يكلمنا الله إيذانا بأنه من ظهور البطلان بحيث لا حاجة له إلى الرد والجواب (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ) أى متلبسا بالقرآن كما فى قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أو بالصدق كما فى قوله تعالى (أَحَقٌّ هُوَ) وقوله تعالى (بَشِيراً وَنَذِيراً) حال من مفعول باعتبار تقييده بالحال الأولى أى أرسلناك متلبسا بالقرآن حال كونك بشيرا لمن آمن بما أنزل عليك وعمل به ونذيرا لمن كفر به أو أرسلناك صادقا حال كونك بشيرا لمن صدقك بالثواب ونذيرا لمن كذبك بالعذاب ليختاروا لأنفسهم ما أحبوا لا قاسر لهم على الإيمان فلا عليك إن أصروا وكابروا (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ما لهم لم يؤمنوا بعد ما بلغت ما أرسلت به وقرىء لن تسأل وما تسأل وقرىء لا تسأل على صيغة النهى إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار وتهويلا لها كأنها لغاية فظاعتها لا يقدر المخبر على إجرائها على لسانه أو لا يستطيع السامع أن يسمع خبرها وحمله على نهى النبى صلىاللهعليهوسلم عن السؤال عن حال أبويه مما لا يساعده النظم الكريم والجحيم المتأجج من النار وفى التعبير عنهم بصاحبية الجحيم دون الكفر والتكذيب ونحوهما وعيد شديد لهم وإيذان بأنهم مطبوع عليهم لا يرجى منهم الإيمان قطعا وقوله تعالى (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) بيان لكمال شدة شكيمة هاتين الطائفتين خاصة إثر بيان ما يعمهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت وإيراد لا