(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))(١١٨
____________________________________
بدوامها وطول بقائها عما يجرى مجرى الولد من الحيوان أى ليس الأمر كما زعموا بل هو خالق جميع الموجودات التى من جملتها عزير والمسيح والملائكة (كُلٌّ) التنوين عوض عن المضاف إليه أى كل ما فيهما كائنا ما كان من أولى العلم وغيرهم (لَهُ قانِتُونَ) منقادون لا يستعصى شىء منهم على تكوينه وتقديره ومشيئته ومن كان هذا شأنه لم يتصور مجانسته لشىء ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد وإنما جىء بما المختصة بغير أولى العلم تحقيرا لشأنهم وإيذانا بكمال بعدهم عما نسبوا إلى بعض منهم وصيغة جمع العقلاء فى قانتون للتغليب أو كل من جعلوه لله تعالى ولدا له قانتون أى مطيعون عابدون له معترفون بربوبيته تعالى كقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبدعهما ومخترعهما بلا مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه فإن البديع كما يطلق على المبتدع يطلق على المبتدع نص عليه أساطين أهل اللغة وقد جاء بدعه كمنعه بمعنى أنشأه كابتدعه كما ذكر فى القاموس وغيره ونظيره السميع بمعنى المسمع فى قوله أمن ريحانة الداعى السميع وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف بعد نصبه على تشبيهها باسم الفاعل كما هو المشهور أى بديع سمواته من بدع إذا كان على شكل فائق وحسن رائق وهو حجة أخرى لإبطال مقالتهم الشنعاء تقريرها أن الوالد عنصر الولد المنفعل بانفصال مادته عنه والله سبحانه مبدع الأشياء كلها على الإطلاق منزه عن الانفعال فلا يكون والدا ورفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى هو بديع الخ وقرىء بالنصب على المدح وبالجر على أنه بدل من الضمير فى له على رأى من يجوز الإبدال من الضمير المجرور كما فى قوله [على جوده لضن بالماء حاتم] (وَإِذا قَضى أَمْراً) أى أراد شيئا كقوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) وأصل القضاء الأحكام أطلق على الإرادة الإلهية المتعلقة بوجود الشىء لإيجابها إياه البتة وقيل الأمر ومنه قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ) الخ (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) كلاهما من الكون التام أى أحدث فيحدث وليس المراد به حقيقة الأمر والامتثال وإنما هو تمثيل لسهولة تأتى المقدورات بحسب تعلق مشيئته تعالى وتصوير لسرعة حدوثها بما هو علم فى الباب من طاعة المأمور المطيع للآمر القوى المطاع وفيه تقرير لمعنى الإبداع وتلويح لحجة أخرى لإبطال ما زعموه بأن اتخاذ الولد شأن من يفتقر فى تحصيل مراده إلى مباد يستدعى ترتيبها مرور زمان وتبدل أطوار وفعله تعالى متعال عن ذلك (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) حكاية لنوع آخر من قبائحهم وهو قدحهم فى أمر النبوة بعد حكاية قدحهم فى شأن التوحيد بنسبة الولد إليه سبحانه وتعالى واختلف فى هؤلاء القائلين فقال ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود وقال مجاهد هم النصارى ووصفهم بعدم العلم لعدم علمهم بالتوحيد والنبوة كما ينبغى أو لعدم علمهم بموجب عملهم أو لأن ما يحكى عنهم لا يصدر عمن له شائبة علم أصلا وقال قتادة