في برّ أو بحر؟ اسلمتني كوارث الحدثان لخلسة صمت مؤلمة وغربة ديار موحشة وقد كنت من قبل ذلك ابصرت نفسي وأنا على حافة الطريق أساير ركب السلام متعثر الخطى أكبو تارة ، وأجدّ السير تارة أخرى ، في يوم قدر عظيم أخذت فيه العهود وابرمت المواثيق وقيل (للمخفين جوزوا وللمثقلين حطّوا) شاهدت فيه أقواما كنت أظنهم من الأوتاد رأيتهم يهوون الى أسفل درك من الجحيم لا يصدّهم عن ذلك عرفانهم ولا يمنعهم منه سواد جباههم ، ولا يسترهم دونه حنك تيجانهم ، يتسابقون الى الهاوية في كل مكان وزمان ألا إنّهم خلفاء الشياطين باسم رب العالمين.
فقلت : يا لله وملء الحشا حسرة الفراق واشواق الحنين في ديار الغفلة بعد الألفة ، كيف أصبحت الأجيال فتقا بعد رتق ، وكثرة بعد وحدة وريبا بعد جزم وجهلا بعد علم ، وكفرا بعد ايمان وغواية بعد فطرة ثلّة منها اقرّت لأنوار الملكوت وقوامها الأعظم راح يركع لصنم الناسوت.
فوقفت احدّ النظر في قارعة الطريق متهما للبصر فيما يرى وللاذن فيما تعي ، وللعقل فيما يعقل ، وللفؤاد فيما يلمس من حقائق الأمور التي أضحت تجري مقلوبة على ألسن العارفين مسايرة لمرضاة الطغاة الجائرين وذلك لمسا لواقع أمر كاد أن يكون من أحاديث الغابرين لمتابعة السلف الخاطئين حيث يقول عزّ من قائل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران / ١٤٤.
أجل انه كان انقلابا على الأعقاب ، عم الحاضر والغائب على اختلاف مراتب الردة في ميادين الحكمة علما وعملا ، إلا بعض الأوتاد الذين أرادهم الله حجج حق على بريته يرثون النبيين والأوصياء الطاهرين الذين يقول في