أو أخاها فتقول : انصرف ، الناس يكفونك ، ويجىء الرجل الى ابنه أو أخيه فيقول : غدا يأتيك أهل الشام ، فما تصنع بالحرب والشرّ! انصرف ، فيذهب به ؛ فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا فى المسجد ، حتّى صلّيت المغرب ، فما صلّى مع ابن عقيل الّا ثلاثون نفسا.
فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه الّا أولئك النفر خرج متوجّها نحو أبواب كندة ، وبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة ، ثمّ خرج من الباب وإذا ليس معه انسان ، والتفت فاذا هو لا يحسّ أحدا يدلّه على الطريق ، ولا يدلّه على منزل ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدوّ ، فمضى على وجهه يتلدد فى أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب! حتّى خرج الى دور بنى جبلة من كندة.
فمشى حتّى انتهى الى باب امرأة يقال لها طوعة ، أم ولد كانت للأشعث بن قيس ، فأعتقها ، فتزوّجها أسيد الحضرمى ، فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره ، فسلّم عليها ابن عقيل ، فردّت عليه ، فقال لها : يا أمة الله ، اسقينى ماء ، فدخلت فسقته ، فجلس وأدخلت الإناء ، ثمّ خرجت فقالت : يا عبد الله ألم تشرب! قال : بلى ، قالت فاذهب الى أهلك ؛ فسكت ؛ ثمّ عادت فقالت مثل ذلك فسكت.
ثمّ قالت له : فىّ الله ، سبحان الله يا عبد الله! فمرّ الى أهلك عافاك الله فانّه لا يصلح لك الجلوس على بابى ، ولا أحلّه لك ، فقام فقال : يا أمة الله ، ما لي فى هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك الى أجر ومعروف ، ولعلّى مكافئك به بعد اليوم! فقالت : يا عبد الله ، وما ذاك؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبنى هؤلاء القوم وغرّونى ؛ قالت : أنت مسلم! قال : نعم.
قالت : ادخل ، فأدخلته بيتا فى دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها