ردّه ، ودخلنى من ذلك ذمام فادخلته دارى وضفته وآويته ، وقد كان من أمره الذي بلغك ، فان شئت أعطيت الآن موثقا مغلّظا ما تطمئنّ إليه ألّا أبغيك سوءا ، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون فى يدك حتّى آتيك ، وانطلق إليه فآمره أن يخرج من دارى الى حيث شاء من الارض ، فأخرج من ذمامه وجواره.
فقال : لا والله لا تفارقنى أبدا حتّى تأتينى به ، فقال : لا والله لا أجيئك أبدا أنا أجيئك بضيفى تقتله! قال : والله لتأتينى به ، قال : والله لا آتيك به ، فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلى ـ وليس بالكوفة شامى ولا بصرى غيره ـ فقال : أصلح الله الامير! خلّنى وايّاه حتّى اكلّمه ، لما رأى لجاجته وتأبيه على ابن زياد أن يدفع إليه مسلما ، فقال لهانى : قم الىّ هاهنا حتّى اكلّمك.
فقام فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما ، اذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان ، واذا خفضا خفى عليه ما يقولان ، فقال له مسلم : يا هاني ، إنّى أنشدك الله أن تقتل نفسك ، وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك! فو الله انّى لا نفسك بك عن القتل ، وهو يرى أنّ عشيرته ستحرّك فى شأنه ان هذا الرجل ابن عمّ القوم ، وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه فانّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنمّا تدفعه الى السلطان.
قال : بلى ، والله انّ علىّ فى ذلك للخزى والعار ، أنا أدفع جارى وضيفى وأنا حىّ صحيح أسمع وأرى ، شديد الساعد ، كثير الاعوان! والله لو لم أكن الّا واحدا ليس لى ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه إليه أبدا ، فسمع ابن زياد ذلك ، فقال : أدنوه منّى ، فأدنوه منه ، فقال : والله لتأتينى به أو لأضربنّ عنقك ، قال : اذا تكثر البارقة حول دارك ، فقال : وا لهفا عليك! أبا البارقة تخوفنى! وهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه.