عائشة تلبسها حتى قبضت. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يلبسها ، فنحن نغسلها (١) للمرضى ليستشفى بها. وهو حديث صحيح ، وأصل صريح. والله أعلم.
وأما من قال : إنه محرم على النساء ففي صحيح مسلم (٢) أن عبد الله بن الزبير خطب فقال : ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير ، فإنى سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : لا تلبسوا (٣) الحرير ، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة.
وهذا ظنّ من عبد الله يدفعه يقين الحديث الصحيح عن جماعة ، منهم على بن أبى طالب ، قال : أهديت للنبي صلّى الله عليه وسلم حلة سيراء (٤) ، فبعث بها إلىّ فلبستها ، فعرفت الغضب في وجهه ، وقال : إنى لم أبعث بها إليك لتلبسها ، إنما بعثتها إليك لتشقّها خمرا بين النساء.
وفي رواية شققه خمرا بين الفواطم ، إحداهن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوج على ، والثانية فاطمة بنت أسد بن هاشم زوج أبى طالب أم على وجعفر وعقيل وطالب ابن أبى طالب ـ وكانت أسلمت ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمى. والله أعلم يغيرهما (٥).
وأما من قال : إنما حرّم لبسه لا فرشه ، وهو أبو حنيفة ـ فهي نزغة أعجمية لم يعلم هو اللباس في لغة العرب ولا في الشريعة ، والفرش والبسط لبس لغة ، وهو كذلك حرام على الرجال في الشريعة (٦) ، ففي الصحيح ـ عن أنس ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلم جاء وذكر الحديث قال فيه : فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس. وهذا نص (٧).
المسألة الثانية ـ الحرير حرام على الرجال ، وحلال للنساء كما تقدم.
والأصل فيه الحديث الصحيح أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير
__________________
(١) في : نكسيها. والمثبت من ش ومسلم.
(٢) صفحة ١٦٤١.
(٣) في ش : لا تلبسوا نساءكم.
(٤) حلة سيراء : برود يخالطها حرير ، وهي مضلعة بالحرير ، كأنّها شبهت خطوطها بالسيور ، مسلم : ١٦٤٤.
(٥) قيل : هي فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.
(٦) في ش : وكذلك هو من الشريعة.
(٧) جاء بهامش (ش) هنا : «إن المتبادر من إطلاق اللبس لا يتناول الافتراش إلا بقرينة كما في خبر أنس ، فإن الحصير لا يلبس على البدن عادة ، فكان ذلك قرينة على إرادة الافتراش وأنه معنى مجازى وألفاظ الشارع محمولة على حقيقتها المتبادرة منها ولا يعدل عن ذلك من غير دليل (كتبه محمد بن محمود الجزائرى).