أمر اجتمعوا فتشاوروا بينهم وأخذوا به ، فأثنى الله عليهم خيرا.
المسألة الثانية ـ الشّورى فعلى ، من شار يشور شورا إذا عرض الأمر على الخيرة ، حتى يعلم المراد منه. وفي حديث أبى بكر الصديق أنه ركب فرسا يشوره (١).
المسألة الثالثة ـ الشّورى ألفة للجماعة ، ومسبار للعقول ، وسبب إلى الصواب ، وما تشاور قوم إلّا هدوا. وقد قال حكيم :
إذا بلغ الرأى (٢) المشورة فاستعن |
|
برأى لبيب أو مشورة حازم |
ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة |
|
فإن الخوافي نافع (٣) للقوادم |
المسألة الرابعة ـ مدح الله المشاور في الأمور ، ومدح القوم الذين يمتثلون ذلك ، وقد كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب ، وذلك في الآثار كثير ، ولم يشاورهم في الأحكام ، لأنها منزّلة من عند الله على جميع الأقسام : من الفرض ، والندب ، والمكروه ، والمباح ، والحرام. فأما الصحابة بعد استئثار الله به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام ، ويستنبطونها من الكتاب والسنة ، وإنّ أول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة ، فإنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم ينصّ عليها حتى كان فيها بين أبى بكر والأنصار ما سبق بيانه. وقال عمر : نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لديننا ، وتشاوروا في أمر الردّة ، فاستقرّ رأى أبى بكر على القتال. وتشاوروا في الجدّ وميراثه ، وفي حدّ الخمر وعدده على الوجوه المذكورة في كتب الفقه. وتشاوروا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الحروب ، حتى شاور عمر الهرمزان حين وقد عليه مسلما في المغازي ، فقال له الهرمزان : إن مثلها ومثل من فيها من عدوّ (٤) المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان ورجلان ، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلان بجناح والرأس ، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس ، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان ، والرأس كسرى والجناح الواحد قيصر ، والآخر فارس. فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى ... وذكر الحديث إلى آخره.
__________________
(١) يشوره : يعرضه (النهاية).
(٢) في ش : الأمر.
(٣) المحفوظ : قوة للقوادم. والمثبت من ش.
(٤) في ا : عدد.