الحيوان كيفما كان ، واقتحام الدناءات ، وما يعود بخرم المروءات. فهذا كلّه شرع دينا واحدا وملّة متحدة لم يختلف على ألسنة الأنبياء ، وإن اختلفت أعدادهم ، وذلك قوله تعالى : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ؛ أي اجعلوه قائما ، يريد دائما مستمرا ، محفوظا مستقرّا ، من غير خلاف فيه ، ولا اضطراب عليه. فمن الخلق من وفى بذلك ، ومنهم من نكث به ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.
واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله ، مما اقتضته المصلحة ، وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والله أعلم.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
وقد تقدم ذلك في سورة سبحان وغيرها بما فيه كفاية ، وقوله هاهنا : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، مِنْ نَصِيبٍ) يبطل مذهب أبى حنيفة في قوله: إنه من توضأ تبرّدا إنه يجزئه عن فريضة (٢) الوضوء الموظفة عليه ، فإنّ فريضة الوضوء الموظفة عليه (٣) من حرث الآخرة ، والتبرّد من حرث الدنيا ، فلا يدخل أحدهما على الآخر ، ولا تجزئ نيته عنه بظاهر هذه الآية ، وقد بيناه في مسائل الخلاف.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٤) : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ).
وقد تقدم ذكر ركوب البحر بما يغنى عن إعادته.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٥) : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (وَأَمْرُهُمْ).
يعنى به الأنصار ، كانوا قبل الإسلام وقبل قدوم النبي عليه السلام إذا كان يهمهم (٦)
__________________
(١) آية ٢٠.
(٢) في ش : عن فرضه الموظف.
(٣) ليس في ش.
(٤) آية ٣٢.
(٥) آية ٣٨.
(٦) في ش : بينهما.