الآية الخامسة ـ قوله تعالى (١) : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ).
وهذه آية سجود بلا خلاف ، ولكن اختلف في موضعه ؛ فقال مالك : موضعه : (كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ، لأنه متّصل بالأمر ، وقال ابن وهب والشافعى : موضعه (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) ؛ لأنه تمام الكلام ، وغاية العبادة والامتثال.
وقد كان علىّ وابن مسعود يسجدان عند قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). وكان ابن عباس يسجد عند قوله : (يَسْأَمُونَ).
وقال ابن عمر : اسجدوا بالآخرة منهما ، وكذلك يروى عن مسروق (٢) ، وأبى عبد الرحمن السلمى ، وإبراهيم النخعي ، وأبى صالح ، ويحيى بن وثاب ، وطلحة ، والحسن ، وابن سيرين. وكان أبو وائل ، وقتادة ، وبكر بن عبد الله يسجدون عند قوله : (يَسْأَمُونَ) ، والأمر قريب.
الآية السادسة ـ قوله تعالى (٣) : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى أنّ قريشا قالوا : إن الذي يعلّم محمدا يسار أبو فكيهة مولى من قريش ، وسلمان ، فنزلت هذه الآية. وهذا يصحّ في يسار ، لأنه مكي ، والآية مكية ؛ وأما سلمان فلا يصح ذلك فيه ؛ لأنه لم يجتمع مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم إلا بالمدينة ، وقد كانت الآية نزلت بمكة بإجماع من الناس.
المسألة الثانية ـ في معنى الآية : وهو أن الله تعالى أراد أنّ هذا القرآن لو نزل باللغة
__________________
(١) آية ٣٧ ، ٣٨.
(٢) في ش : ابن مسعود.
(٣) آية ٤٤.