يكذب على النبي متعمّدا ليضلّ الناس ، فينبغي أن يحذر من الأحاديث الباطلة المضلة ، وينبغي ألّا يقصد مسجدا ، ولا يعظم بقعة إلا البقاع الثلاث التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم : لا تعمل المطىّ إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدى هذا ، ومكة ، والمسجد الأقصى.
وقد سوّل الشيطان لأهل زماننا أن يقصدوا الرّبط ، ويمشوا إلى المساجد تعظيما لها ، وهي بدعة ما جاء النبىّ بها إلا مسجد قباء ، فإنه كان يأتيه كلّ سبت راكبا وماشيا ، لا لأجل المسجدية ، فإنّ حرمتها في مسجده كانت أكثر ، وإنما كان ذلك على طريق الافتقاد لأهله ، والتطييب لقلوبهم ، والإحسان بالألفة إليهم.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (١) : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).
تقدم في سورة البقرة بيان حال الإحباط بالردة ، وسنزيده هاهنا بيانا فنقول :
هذا وإن كان خطابا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقد قيل : إنّ المراد بذلك أمّته ، وكيفما تردّد الأمر فإنه بيان أنّ (٢) الكفر يحبط العمل كيف كان ، ولا يعنى به الكفر الأصلى ، لأنه لم يكن فيه عمل يحبط ، وإنما يعنى به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان ، إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان ، فالإيمان معنى يكون به المحلّ أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل ، كما تخيّله الشافعية ، لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع ، إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة ، إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء ، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله (٣) : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). وقال تعالى (٤) : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) فمن كفر من أهل الإيمان حبط عمله ، وأستأنف العمل إذ أسلم ، وكان كمن لم يسلم ولم يكفر لقوله تعالى (٥) : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ). والإسلام والهجرة يهدمان ما قبلهما من باطل ، ولا يكون إيمانا إلا باعتقاد عامّ على الأزمان ، متصل بتأبيد الأبد ، كما بيناه في كتب الأصول ، فإنه لا يتبعّض وإن (٦) أفسد فسد جميعه ، وهو حكم لا يتجزأ شرعا ، وقد بيناه في التلخيص وغيره.
__________________
(١) آية ٦٥.
(٢) في ش : لأن.
(٣) سورة الأنعام ، آية ٨٨.
(٤) سورة المائدة ، آية ٥.
(٥) سورة الأنفال ، آية ٣٨.
(٦) في ش : وإذا فسد.