عن الناس ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنها مجابة ، وأدخل ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة (١) ، وإيّاى وغنم ابن عوف وابن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ، وإنّ رب الصّريمة والغنيمة يأتينى بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أنا؟ لا أبالك! فالماء والكلأ أهون (٢) علىّ من الدينار والدرهم ، والذي نفسي بيده لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا.
وأما الإقطاع فهو باب من الأحكام ، فقد أقطع النبىّ صلّى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث المزنىّ معادن القبليّة من ناحية الفرع ، وبيانها في كتب الفقه.
وأما ولاية الديوان فهي الكتابة ، وقد كان للنبىّ صلّى الله عليه وسلم كتّاب وللخلفاء بعده ، وهي ضبط الجيوش بمعرفة أرزاقهم والأموال لتحصيل فوائدها لمن يستحقها.
وأما ولاية الحدود فهي على قسمين : تناول إيجابها ، وذلك للقضاة ، وتناول استيفائها ، وقد جعله النبىّ صلّى الله عليه وسلم لقوم منهم علىّ بن أبى طالب ومحمد بن مسلمة ، وهي أشرف الولايات ، لأنها على أشرف الأشياء ، وهي الأبدان ، فلنقيصة الناس ودحضهم بالذنوب ألزمهم الله بالذلة بأن جعلها في أيدى الأدنياء والأوضاع بين الخلق.
وأما ولاية الحسبة فهي محدثة ، وأصلها أكبر الولايات ، وهي الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ولكثرة ذلك رأى الأمراء أن يجعلوها إلى رجل يتفقدها في الأحيان من الساعات ، والله يتولّى التوفيق للجميع ، ويرشد إلى سواء الطريق ، ويمنّ بتوبة تعيد الأمر إلى أهله ، وتوسعنا ما نؤمله من رحمته وفضله.
الآية السابعة ـ قوله تعالى (٣) : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
__________________
(١) أدخل رب الصريمة والغنيمة ، يعنى في الحمى والمرعى ، يريد صاحب الإبل القليلة والغنم القليلة (النهاية).
(٢) في ا : أمن.
(٣) آية ٢٨.