الآية الثالثة ـ قوله تعالى (١) : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ الأقلام في الأصل ثلاثة :
القلم الأول ـ كما ثبت في الحديث : أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما [كان وما] (٢) يكون إلى يوم الساعة ، فهو عنده في الذكر فوق عرشه.
القلم الثاني ـ ما جعل الله بأيدى الملائكة يكتبون به المقادير والكوائن والأعمال ، وذلك قوله تعالى : (كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ). خلق الله لهم الأقلام ، وعلّمهم الكتاب بها.
القلم الثالث ـ أقلام الناس ، جعلها الله تعالى بأيديهم يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها إلى مآربهم ، والله أخرج الخلق من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وخلق لهم السمع والبصر (٣) والنطق حسبما بيناه في كتاب قانون التأويل ، ثم رزقهم معرفة العبادة (٤) باللسان على ثمانية وعشرين [وجها ، وقيل] (٥) حرفا يضطرب بها (٦) اللسان بين الحنك والأسنان فيتقطع (٧) الصوت تقطيعا يثبت عنه مقطعاته على نظام متّسق قرنت به معارف في أفرادها وفي تأليفها ، وألقى إلى العبد معرفة أدائها ، فذلك قوله : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).
ثم خلق الله اليد والقدرة ، ورزقه العلم [والرتبة] (٨) ، وصوّر له حروفا تعادل له الصورة المحسوسة في إظهار المعنى المنقول في النطق ، فتقابل هذا مكتوبا ذلك الملفوظ ، وتقابل الملفوظ ما ترتب (٩) في القلب ، ويكون (١٠) الكلّ سواء ، ويحصل به العلم ، هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه.
المسألة الثانية ـ جعل الله هذا كله مرتبا للخلق ، ونظاما للآدميين ، ويسّره فيهم ، فكان أقلّ الخلق به معرفة العرب ، وأقلّ العرب به معرفة [الحجازيون وأعدم الحجازيين به معرفة] (١١) المصطفى صلّى الله عليه وسلم ، [صرفه] (١٢) عن علمه ، ليكون ذلك أثبت لمعجزته ، وأقوى في حجته.
__________________
(١) آية ٤.
(٢) ساقط من ش.
(٣) في ش : فجعل لهم السمع والأبصار.
(٤) في ش : ثم رزقه معرفة العبارة ...
(٥) ساقط من ش.
(٦) في ا : به.
(٧) في ش : فيقطع.
(٨) في ش : ما ثبت.
(٩) في ش : فيكون.
(١٠) من ش.