دخل على خديجة ، فقال : زملوني ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة : أى خديجة ، مالي؟ لقد خشيت على نفسي. فأخبرها الخبر ، فقالت خديجة : كلّا ، أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا ، فو الله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ ، وتكسب العدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ـ وهو ابن عم ، خديجة أخو أبيها ، وكان أمرأ تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني (١) ، ويكتب الإنجيل (٢) بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمى ، فقالت خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة : يا ابن أخى ، ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلّى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : أو مخرجىّ هم! قال ورقة : نعم ، لم يأت أحد بما جئت به إلّا أوذى (٣) ، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزّرا. ثم لم ينشب (٤) ورقة أن توفّى ، وفتر الوحى فترة ، حتى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال محمد بن شهاب : فأخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن (٥) أنّ جابر بن عبد الله الأنصارى قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وهو يحدّث عن فترة الوحى. قال في حديثه : بينا أنا أمشى سمعت صوتا ، فرفعت رأسى ، فإذا الملك الذي قد جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، ففزعت (٦) منه ، فرجعت فقلت : زمّلونى ، دثّرونى ، [فدثروه] (٧) ، فأنزل الله تبارك وتعالى : «يا أيها المدّثّر. قم فأنذر. وربّك فكبّر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر».
قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كانت الجاهلية تعبدها ، ثم تتابع الوحى.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٨) : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ).
فيها دليل على أنّ الإنسان مخلوق من العلق ، وأنه قبل أن يكون علقة ليس بإنسان ، وقد بينا ذلك في غير موضع.
__________________
(١) في ش ومسلم : العربي.
(٢) في ش ، والبخاري : من الإنجيل بالعبرانية.
(٣) في ش ومسلم : عودي.
(٤) في ش : يلبث.
(٥) مسلم : ١٤٣.
(٦) في ش : ففرقت.
(٧) ساقط من ش. وفي مسلم : فدثرونى.
(٨) آية ٢.