جمال هيئة ، وبديع تركيب : الرأس بما فيه ، والصدر بما جمعه ، والبطن بما حواه ، والفرج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه. ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالم. الأصغر ، إذ كل ما في المخلوقات أجمع (١) فيه. هذا على الجملة وكيف على التفصيل ، بتناسب (٢) المحاسن ، فهو أحسن من الشمس والقمر بالمعنيين جميعا. وقد بينا القول في ذلك في كتاب المشكلين ، وبهذه الصفات الجليلة التي ركب عليها الإنسان استولى على جماعة الكفران ، وغلب على طائفة الطغيان ، حتى قال : أنا ربّكم الأعلى ، وحين علم الله هذا من عبده ، وقضاؤه صادر من عنده ، ردّه أسفل سافلين وهي :
الآية الرابعة (٣) بأن جعله مملوءا قذرا ، مشحونا نجاسة ، وأخرجها على ظاهره إخراجا منكرا على وجه الاختيار تارة ، وعلى وجه الغلبة أخرى ، حتى إذا شاهد ذلك من أمره رجع إلى قدره.
الآية الخامسة ـ قوله تعالى (٤) : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ).
قد روى الترمذي وغيره ، عن أبى هريرة ـ أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال : إذا قرأ أحدكم ، أليس الله بأحكم الحاكمين ، فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين.
ومن رواية غيره ، إذا قرأ أحدكم أو سمع (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)(أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) فليقل : بلى.
وهذه أخبار ضعيفة ، أما إن ذلك يتعيّن في الاعتقاد لأجل ما يلزم في فهم القرآن من الانتقاد ، وقد روى مالك عن البراء بن عازب ، قال : صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم العتمة ، فصلّى (٥) فيها بالتين والزيتون ، وهو صحيح.
وفي البخاري : سمعت البراء يقول : إنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان في سفر ، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون ، ففسر المعنى الذي أوجب قراءتها مع قصرها في صلاة العشاء وهو السفر (٦).
__________________
(١) في القرطبي : جمع فيه.
(٢) في ش : تتناسب.
(٣) هي : ثم رددناه أسفل سافلين.
(٤) آية ٨.
(٥) في ش : فقرأ.
(٦) في ش : والسفرة.