دمشق ، لأنه (١) مأوى عيسى عليه السلام ، وبجبل بيت المقدس لأنه مقام الأنبياء كلهم ، وبمكة لأنه أثر إبراهيم ودار محمد صلّى الله عليهما وسلم.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٢) : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
قال ابن العربي رضى الله عنه : ليس لله تعالى خلق هو أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حيّا عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبرا ، حكيما ، وهذه صفات الرب ، وعنها عبّر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : إن الله خلق آدم على صورته ، يعنى على صفاته التي قدمنا ذكرها.
وفي رواية على صورة الرحمن. ومن أين تكون للرحمن صفة مشخصة (٣)! فلم يبق إلا أن تكون معاني ، وقد تكلمنا على الحديث في موضعه بما فيه بيانه.
وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزدى ، أخبرنا القاضي أبو القاسم علىّ بن أبى على القاضي المحسن ، عن أبيه ، قال (٤) : كان عيسى بن موسى الهاشمي يحبّ زوجه حبّا شديدا ، فقال لها يوما : أنت طالق ثلاثة إن لم تكوني أحسن من القمر ، فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت : طلقني. وبات بليلة عظيمة. ولما أصبح غدا إلى دار المنصور ، فأخبره الخبر ، [وقال : يا أمير المؤمنين ، إن تمّ على طلاقها تصلفت نفسي غما ، وكان الموت أحب إلى من الحياة] (٥) ، وأظهر للمنصور جزعا عظيما ، فاستحضر الفقهاء ، واستفتاهم ، فقال جميع من حضر : قد طلقت ، إلا رجلا واحدا من أصحاب أبى حنيفة ، فإنه كان ساكتا ، فقال له المنصور : مالك لا تتكلم؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم. والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. يا أمير المؤمنين ، الإنسان أحسن الأشياء ، ولا شيء أحسن منه. [فقال المنصور لعيسى بن موسى : الأمر كما قال ، فأقبل على زوجك] (٦) ، فأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجه أن أطيعى زوجك ، ولا تعصيه ، فما طلقك.
فهذا يدلّك على أن الإنسان أحسن خلق الله باطنا ، و [هو أحسن خلق الله] (٧) ظاهرا ،
__________________
(١) في ش : لأنها.
(٢) آية ٤.
(٣) في القرطبي : متشخصة.
(٤) في ا : يوما.
(٥ ـ ٦ ـ ٧) ليس في ش.