المسألة الأولى ـ في [قوله : وأمّا بنعمة ربّك فحدّث] (١) ثلاثة أقوال :
أحدها ـ أنها النبوّة.
الثاني ـ أنها القرآن.
الثالث ـ إذا أصبت خيرا أو عملت خيرا فحدّث به الثقة من إخوانك ، قاله الحسن.
المسألة الثانية ـ أما من قال إنها النبوة فقد روى عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : جاء جبريل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، اقرأ. قال : وما أقرأ؟ قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، حتى بلغ (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ، فقال لخديجة : يا خديجة ، ما أرانى إلّا قد عرض لي. فقالت خديجة : كلا والله ، ما كان ربك ليفعل ذلك بك ، وما أتيت فاحشة قط. قال فأتت خديجة ورقة بن نوفل ، فذكرت له ، فقال ورقة : إن تكوني صادقة [فزوجك نبي] (٢) وليلقينّ (٣) من أمته شدة ، فاحتبس جبريل عن النبي صلّى الله عليه وسلم ، فقالت خديجة : يا محمّد ، ما أرى ربّك إلا قد قلاك ، فأنزل الله تعالى : (وَالضُّحى) ، يعنى السورة. فهذا حديثه بالنبوة.
وأما حديثه بالقرآن فتبليغه إياه ، قالت عائشة رضى الله عنها : لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كاتما من الوحى شيئا لكتم هذه الآية (٤) : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ). وقالت عائشة رضى الله عنها : من زعم أنّ محمدا كتم شيئا من الوحى فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول (٥) : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته.
وأما تحدثه بعمل فإنّ ذلك يكون بإخلاص من النية عند أهل الثقة ، فإنه ربما خرج إلى الرياء ، وأساء الظن بسامعه (٦) ، وقد روى أيوب قال : دخلت على أبى رجاء العطاردي ، فقال : لقد رزق الله البارحة خيرا ، صليت كذا وسبّحت كذا. قال : قال أيوب : فاحتملت ذلك لأبى رجاء. ومن الحديث بالنعمة إظهارها بالملبس والمركب ، قال النبي صلّى الله عليه وسلم : إن الله إذا أنعم على عبد [بنعمة] (٧) أحبّ أن يرى أثر نعمته ، وإظهارها بالملبس والمركب ، وإظهارها بالجديد والقوى من الثياب النقي ، وليس بالخلق الوسخ ، وفي المركب اقتناؤه للجهاد أو لسبيل الحلال ، حسبما تقدم بيانه.
__________________
(١) مكان ما بين القوسين في ش ، م : «تعديد الأقوال في معناه فيه».
(٢) ساقط من ش.
(٣) في ش ، م : فليلقين.
(٤) سورة الأحزاب ، آية ٣٧.
(٥) سورة المائدة ، آية ٦٧.
(٦) في ش : سامعه.